الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

قال الأستاذ الإمام: في تفسير { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ما مثاله: يقال إنّ هذه الآية وما قبلها في تقرير التوحيد سواء كان ردّاً على نصارى نجران أو كان كلاماً مستقلاً فإنّ التوحيد لمّا كان أهمّ ركن للإسلام كان ممّا تعرف البلاغة أن يبدأ بتقرير الحقّ في نفسه ثمّ يؤتى ببيان حال أهل المناكرة والجحود ومناشئ إغترارهم بالباطل وأسباب استغنائهم عن ذلك الحقّ أو اشتغالهم عنه. وأهمّها الأموال والأولاد فهي تنبؤهم هنا بأنّها لا تغني عنهم في ذلك اليوم الذي لا ريب فيه. إذ يجمع الله فيه الناس ويحاسبهم بما عملوا، بل ولا في أيّام الدنيا لأنّ أهل الحقّ لا بدّ أن يغلبوهم على أمرهم وما أحوج الكافرين إلى هذا التذكير، إنّ الجحود إنّما يقع من الناس للغرور بأنفسهم وتوهمهم الاستغناء عن الحقّ فإنّ صاحب القوّة والجاه إذا وعّظ بالدين عند هضم حقّ من الحقوق لا يؤثرّ فيه الوعظ ولكنّه إذا رأى أنّ الحقّ له واحتاج إلى الإحتجاج عليه بالدين، فإنّه ينقلب واعظاً بعد أن كان جاحداً فهم لظلمة بصيرتهم وغرورهم بما أوتوا من مال وولد وجاه يتّبعون الهوى في الدين في كلّ حال.

قال: فسّر مفسّرنا (الجلال) " تغني " بتدفّع وهو خلاف ما عليه جمهور المفسّرين وإنّما تغني هنا كيغني في قوله عزّ وجلّ:إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } [يونس: 36] ولا أراك تقول إنّ معناها لن يدفع من الحقّ شيئاً وإنّما معنى " من " هنا البدلية أي إنّ أموالهم وأولادهم لن تكون بدلاً لهم من الله تعالى تغنيهم عنه. فإنّهم إذا تمادوا على باطلهم يغلبون على أمرهم في الدنيا ويعذّبون في الآخرة كما سيأتي في الآية التي تلي ما بعد هذه بل توعدهم في هذه أيضاً بقوله: { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } الوقود بالفتح (كصبور) ما توقد به النار من حطب ونحوه. قال الأستاذ الإمام هنا: أي إنّهم سبب وجود نار الآخرة كما أنّ الوقود سبب وجود النار في الدنيا، أو أنّهم مما توقد به، ولا نبحث عن كيفية ذلك فإنّه من أمور الغيب التي تؤخذ بالتسليم (راجع تفسير2: 24وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [البقرة: 24] فيها مزيد بيان).

ثم ذكر تعالى مثلاً لهؤلاء الكافرين الذين استغنوا بما أوتوا في الدنيا عن الحقّ فعارضوه وناهضوه حتّى ظفر بهم فقال: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } بأن أهلكهم ونصر موسى على آل فرعون ومن قبله من الرسل على أممهم المكذّبين ذلك بأنّهم كانوا بكفرهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فما أخذوا إلاّ بذنوبهم وما نصر الرسل ومن آمن معهم إلاّ بصلاحهم وإصلاحهم فالله تعالى لا يحابي ولا يظلم { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } على مستحقّه إذ مضت سنّته بأن يكون العقاب أثراً طبيعياً للذنوب والسيّئات.

السابقالتالي
2 3 4 5