الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

قال الأستاذ الإمام: إن الآيات السابقة من أول السورة كانت في الحجاج مع أهل الكتاب، وكذا مع المشركين بالتبع والمناسبة، وأن هذه الآيات وما بعدها إلى آخر السورة في بيان أحوال المؤمنين ومعاملة بعضهم لبعض وإرشادهم في أمرهم، أي إن أكثر الآيات السابقة واللاحقة في ذلك.

ثم ذكر لبيان إتصال هذه الآية بما قبلها ثلاث مقدمات:

1- أنه كان بين المؤمنين وغيرهم صلات كانت مدعاة إلى الثقة بهم والإفضاء إليهم بالسر وإطلاعهم على كل أمر، منها المحالفة والعهد، ومنها النسب والمصاهرة، ومنها الرضاعة.

2- إن الغرة من طبع المؤمن فإنه يبني أمره على اليسر والأمانة والصدق ولا يبحث عن العيوب، ولذلك يظهر لغيره من العيوب وإن كان بليداً ما لا يظهر له هو وإن كان ذكياً.

3- أن المناصبين للمؤمنين من أهل الكتاب والمشركين كان همهم الأكبر إطفاء نور الدعوة وإبطال ما جاء به الإسلام وكان هم المؤمنين الأكبر نشر الدعوة وتأييد الحق، فكان الهمان متباينين، والقصدان متناقضين.

ثم قال: فإذا كانت حالة الفريقين على ما ذكر فهي لا شك مقتضية لأن يفضي النسيب من المؤمنين إلى نسيبه من أهل الكتاب والمشركين والمحالف منهم لمحالفه من غيرهم بشيء مما في نفسه وإن كان من أسرار الملة التي هي موضوع التباين والخلاف بينهم، وفي ذلك تعريض مصلحة الملة للخبال، لذلك جعل الله تعالى للصلات بين المؤمنين وغيرهم حداً لا يتعدونه فقال:

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } إلى آخر الآيات.

" بطانة " الرجل وليجته وخاصته الذين يستبطنون أمره ويتولون سره، مأخوذ من بطانة الثوب وهو الوجه الباطن منه، كما يسمى الوجه الظاهر، ظهارة. و " من دونكم " معناه من غيركم و " يألونكم " من الإلو، وهو التقصير والضعف، و " الخبال " في الأصل الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه إضطراباً كالأمراض التي تؤثر في المخ فيختل إدراك المصاب بها أي لا يقصرون ولا ينون في إفساد أمركم والأصل في إستعمال فعل " ألا " أن يقال فيه نحو " لا آلو في نصحك " وسمع مثل: " لا آلوك نصحاً " على معنى لا أمنعك نصحاً؛ وهو ما يسمونه التضمين. و " عنتم " من العنت وهو المشقة الشديدة، و " البغضاء " شدة البغض.

أما سبب النزول: فقد أخرج ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس قال: " كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة عليهم هذه الآية " وأخرج عبد بن حميد إنها نزلت في المنافقين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد