الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { لَيْسُواْ سَوَآءً } كلام تام أي ليس أهل الكتاب متساوين في هذه الأوصاف والأعمال القبيحة التي ذكرت آنفاً؛ بل منهم المؤمنون وهم الأقلون؛ ومنهم الفاسقون وهم الأكثرون، كما قال في الآية المتقدمة " منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " فهو بيان له بعد وصف الفاسقين وذكر ما استحقت الأمة بسوء عملهم. ولما بين وصف فاسقيهم كان من العدل الإلهي أن يبين وصف مؤمنيهم، ولذلك قال: { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } الآيات، قيل: إن هذه الأمة جماعة أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسيد بن عبيد رواه ابن جرير عن ابن عباس.

وروي عن قتادة أنه كان يقول في الآية " ليس كل القوم هلك قد كان لله فيهم بقية " بل روي عن ابن عباس إنه قال في الأمة القائمة " أمة مهتدية قائمة على أمر الله لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه " وحمل ابن جرير هذا القول على تلك الرواية أي إن هذا مقول فيمن أسلم، منهم ولكنه لا ينطبق عليهم في حال الإسلام، لأن ما قاموا عليه هو ما ضيعه الآخرون وهو من دينهم وكتابهم، فالظاهر أن الروايات اختلط بعضها ببعض أو المراد أن هؤلاء الذين وصفوا بالتمسك بما حفظوا من كتابهم والقيام بما عرفوا من دينهم هم الذين أسلموا بعد ذلك فيكون هذا الوصف لم قبل الإسلام.

وقد نقل الرازي في الآية قولين، أحدهما: أن المراد بهذه الأمة القائمة عبد الله بن سلام وأصحابه، والثاني: أن المراد بأهل الكتاب كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان قال: " وعلى هذا القول يكون المسلمون من جملتهم "! وأي حاجة إلى إدخال المسلمين في أهل الكتاب عند إطلاقه وهو مخالف لعرف القرآن؟ والمسلمون مستغنون عن هذا الإدخال بقوله:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110] الآية وما هي من هذه ببعيد، إلا أن أكثر مفسرينا قد صعب عليهم أن يكون في أهل الكتاب أحد يؤمن بالله ويفعل الخير فلذلك اضطربوا في الآية وأمثالها وهي ظاهرة.

قال الأستاذ الإمام: هذه الآية من العدل الإلهي في بيان حقيقة الواقع وإزالة الإيهام السابق، وهي دليل على أن دين الله واحد على ألسنة جميع الأنبياء، وأن كل من أخذه بإذعان، وعمل فيه بإخلاص فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فهو من الصالحين.

وفي هذا العدل قطع لإحتجاج أهل الكتاب الذين يعرفون من أنفسهم الإيمان والإخلاص في العمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - يعني الأستاذ أنه لولا مثل هذا النص لكان لهم أن يقولوا: لو كان هذا القرآن من عند الله لما ساوانا بغيرنا من الفاسقين ونحن مؤمنون به مخلصون له - وفيه إستمالة لهم وتناه عن التفرقة بين الأمم والملل التي لم يكن يعترف فيها أحد الفريقين بفضيلة ولا مزية للآخر كأنه بمجرد مخالفته له في بعض الأشياء - وإن كان معذوراً - تتبدل حسناته سيئات وظاهر أن هذا كالذي قبله في أهل الكتاب حال كونهم على دينهم خلافا لمفسرنا (الجلال) وغيره الذين حملوا المدح على من أسلم منهم فإن المسلمين لا يمدحون بوصف أنهم أهل الكتاب وإنما يمدحون بعنوان المؤمنين.

السابقالتالي
2 3