الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

بعد ما أمر الله تعالى بالإعتصام بحبله وذكر بنعمته على المؤمنين بتأليف القلوب وأخوة الإسلام - وبعد ما نهى عن التفرق في الأهواء والاختلاف في الدين وتوعد على ذلك بالعذاب العظيم - بين فضل المعتصمين بحبله، المتآخين في دينه، المتحابين فيه، ووصفهم بهذا الوصف الشريف { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } فعلم منه إن خيرية الأمة وفضلها على غيرها تكون بهذه الأمور: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى.

في قوله تعالى: { كُنْتُمْ } ثلاثة أوجه: (أحدها): أنها تامة فالمعنى وجدتم خير أمة كأنه قال أنتم خير أمة في الوجود الآن لأن جميع الأمم غلب عليها الفساد فلا يعرف فيها المعروف ولا ينكر فيها المنكر وليست على الإيمان الصحيح الذي يزع أهله عن الشر ويصرفهم إلى الخير وأنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله إيماناً صحيحاً يظهر أثره في العمل. (الوجه الثاني): أنها ناقصة والمعنى حينئذ كنتم في علم الله أو كنتم في الأمم السابقة.

كما في كتبها المبشرة بكم خير أمة إلخ. وقال أبو مسلم إن هذا القول يقال لمن ابيضت وجوههم والمعنى كنتم فيما سبق من أيام حياتكم خير أمة شأنكم كذا وكذا وبذلك كان لكم هذا الجزاء الحسن، فالكلام عنده تتمة للآيات السابقة فكما ذكر فيها ما يقال لمن اسودت وجوههم ذكر أيضاً ما يقال لمن ابيضت وجوههم، وقيل على هذا - أي كونها ناقصة - غير ذلك. (الوجه الثالث): إن كان هنا بمعنى صار أي صرتم خير أمة وهذا أضعف الأقوال.

إذا فسرت كلمة " كنتم " بغير ما قاله أبو مسلم كانت الجملة شهادة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من المؤمنين الصادقين إلى زمن نزولها بأنها خير أمة أخرجت للناس بتلك المزايا الثلاث، ومن اتبعهم فيها كان له حكمهم لا محالة، ولكن هذه الخيرية لا يستحقها من ليس لهم من الإسلام واتباع النبي صلى الله عليه وسلم إلا الدعوى وجعل الدين جنسية لهم بل لا يستحقها من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت الحرام والتزم الحلال واجتنب الحرام مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام إلا بعد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالإعتصام بحبل الله مع اتقاء التفرق والخلاف في الدين.

قال الأستاذ الإمام ما معناه: هذا الوصف يصدق على الذين خوطبوا به أولا وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين كانوا معه عليهم الرضوان. فهم الذين كانوا أعداء فألف الله بين قلوبهم فكانوا بنعمته إخواناً وهم الذين إعتصموا بحبل الله ولم يتفرقوا في الدين، فيذهبوا فيه مذاهب تتعصب لكل مذهب شيعة منهم، وهم الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يخاف في ذلك ضعيف قوياً، ولا يهاب صغير كبيراً؛ وهم المؤمنون بالله ذلك الإيمان الذي استولى على عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم وملك أزمة أهوائهم حتى كان هو المسير لهم في عامة أحوالهم - ذلك الإيمان الذي بين سبحانه خواصه وصفاته في آيات كثيرة وظهرت فوائده وآثاره في تغيير هيأة الأرض على أيديهم - ذلك الإيمان الذي قال تعالى في أهله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد