الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } أي بالأمر الثابت الحق الذي لا مجال فيه للشكوك والشبهات، ولا للإحتمالات والتأويلات، فلا عذر لأمتك إذا إتبعت سنن من قبلها فتفرقت في الدين وذهبت فيه مذاهب وصارت شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، وبخلاف الآخرين مستمسكون، فما أمروا في هذه الآيات بما أمروا به من الإعتصام ووعدوا عليه بالفلاح العظيم، ولا نهوا عما نهوا عنه من التفرق والاختلاف وأوعدوا عليه بالعذاب الأليم؛ إلا ليكونوا أمة واحدة متحدة في الدين متفقة في المقاصد يعذر بعضهم بعضاً إذا فهم غير ما فهم مع المحافظة على ما لا تختلف فيه الأفهام، كوجوب الإتحاد والإعتصام، وتوحيد الله وتقواه؛ وإجتناب الفواحش والمنكرات { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } فيما يأمرهم به وينهاهم عنه؛ وإنما يريد به هدايتهم إلى ما تكمل به فطرتهم ويتم به نظام إجتماعهم، فإذا هم فسقوا عن أمره وحل بهم البلاء فإنما يكونون هم الظالمين لأنفسهم بتفرقهم واختلافهم، وكذا بغير ذلك من الذنوب الإجتماعية. فالكلام في الأمم وعقوبتها ولا يمكن أن يحل بها بلاء إلا بذنب فشا فيها فزحزحها عن صراط الله الذي بينه في هذه الآيات وغيرهاوَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102].

{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } فهو مالك العباد والمتصرف في شؤونهم وإلى سننه الحكيمة ترجع أمورهم ولكل سنة منها غاية تنتهي إليها لا تبديل لها ولا تحويل فلا يطمع أهل التفرق والخلاف بالوصول إلى غاية أهل الوحدة والإتفاق، فهذه الآية وردت كالدليل على ما قبلها. ووجه الدلالة فيها على ما جرينا عليه في تفسير ما قبلها ظاهر، فإننا بينا أن المراد بالظلم المنفي هو الظلم بالتشريع؛ لأن الكلام في تلك الآيات وما فيها من الأحكام فهو على حد قوله في أحكام الصيام:يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة: 185] وقوله بعد الأمر بالوضوء والغسل:وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] إلخ والأمر ظاهر لا مجال فيه للخلاف وكثرة الآراء لولا المذاهب التي وضعت أصولها وقواعدها ثم نظر أصحابها في القرآن يلتمسون تأييدها به وحمله عليها. فقد قالت المعتزلة: إن الظلم في الآية جاء نكرة في سياق النفي فهو عام والمعنى أنه لا يريد الظلم مطلقاً من أفعاله ولا من أفعال عباده، وما لا يريده لا يقع منه حتماً، وقد ثبت في العقل والنقل أن من أفعال العباد ما هو ظلم فتعين أن تكون أفعالهم منهم لا منه، ووجهوا الآية الثانية على إثبات هذا. وقالت الأشعرية: إن وقوع الظلم منه تعالى محال لأنه عبارة عن تصرف الإنسان في ملك غيره وليس لغير الله ملك فيكون ظالماً بتصرفه فيه.

السابقالتالي
2