الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قال الأستاذ الإمام: إن صحّ ما ورد في سبب نزول هذه الآيات فالمراد بالكفر في قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } هو العداوة والبغضاء التي كان الكفر سببها، كما أن المراد بالإيمان على هذا هو الألفة والمحبة التي هي ثمرة يانعة من ثمرات الإيمان.

وإذا لم ننظر إلى ما ورد من السبب، فالمعنى: أن أهل الكتاب قد سلكوا سبل التأويل في الكتاب، فحرّفوه، وانصرفوا عن هدايته إلى تقاليد وضعوها لأنفسهم، فإذا أطعتموهم وسلكتم مسالكهم فإنكم تكفرون بعد إيمانكم.

أقول: ويجوز أن يراد بالكفر على الوجه الأول: حقيقته، كأنه يقول: إنكم إذا أصغيتم إلى ما يلقيه هؤلاء اليهود من مثيرات الفتن واستجبتم لما يدعونكم إليه فكنتم طائعين لهم فإنهم لا يقنعون منكم بالعود إلى ما كنتم عليه من العداوة والبغضاء، بل يتجاوزون إلى ما وراء ذلك، وهو أن يردوكم إلى الكفر.

ويؤيد هذا قوله تعالى:وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } [البقرة: 109] الآية وقوله في هذه السورة:وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } [آل عمران: 69] ولا يمنع الإنسان من إتيان ما يود إلا عجزه.

وإذا كان هذا جائزاً - وهو الظاهر على الوجه الأول - فهو متعين على الوجه الثاني.

أما إتصال الآية بما قبلها على هذا فظاهر جلي، فإنه بعد ما وبخ أهل الكتاب على كفرهم وصدهم عن سبيل الله، وهو الإسلام، إثر إقامة الحجج عليهم وإزاله شبهاتهم ناسب أن يخاطب المؤمنين مبيناً لهم أن من كان هذا شأنهم في الكفر وهذا شأن ما دعوا إليه في ظهور حقيقته لا ينبغي أن يطاعوا ولا أن يسمع لهم قول، فإنهم دعاة الفتنة ورواد الكفر. ولذلك قال: { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } بطاعتهم واتباع أهوائهم { وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ } وهي روح الهداية وحفاظ الإيمان { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } يبين لكم ما أنزل إليكم، ولكم في سنته وإخلاصه خير أسوة تغذي إيمانكم وتنير برهانكم.

فهل يليق بمن أوتوا هذه الآيات، ووجد فيهم هذا الرسول الحكيم الرءوف الرحيم: أن يتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً، حتى استحوذ عليهم الشيطان، وغلب عليهم البغي والعدوان، وعرفوا بالكذب والبهتان؟ فالإستفهام في الآية للإنكار والإستبعاد { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } وبكتابه يكون الإعتصام إذن هو حبله الممدود ورسوله هو الوسيلة إليه. وهو ورده المورود { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } لا يضل فيه السالك، ولا يخشى عليه من المهالك فلا تروج عنده الشبهات ولا تروق في عينه الترهات وقد جاء جواب الشرط بصيغة الماضي المحقق للإشعار بأن من يلتجئ إليه تعالى ويعتصم بحبله فقد تحققت هدايته وثبتت استقامته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7