الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ }

الآيات السابقة كانت تذكيراً بالنعم التاريخية الملية، وبالتقصير في الشكر وعواقبه. وذلك كالتفضيل على العالمين الذي يرفع النفس، والإنجاء من آل فرعون ومن الغرق، وإيتاء موسى الكتاب والآيات البيّنات، وتسهيل المعيشة عليهم في التيه بما ساق الله إليهم من المنّ والسلوى، ثم ما كان منهم في أثر كلّ نعمة وما أعقبه كفر النعم من النقم. ولم يذكر فيما سبق من الأحكام العمليّة، إلاّ ما جاء على سبيل التبع لهذه الأصول. وهي هذه الآية وما بعدها التذكير بأمهات الأحكام في العبادات والمعاملات وما كان من إهمالها وترك العمل بها. هذا هو المراد أوّلاً وبالذات، على أنّ فيما يأتي إعادة الإشارة إلى بعض ما مضى، قضى بها ما كان عليه اليهود من سوء الفهم وغلظ القلوب وكثرة المشاغبات والمماراة، فالخطاب معهم دائماً في باب الإطناب.

قال الأستاذ الإمام: لاحظ بعض البلغاء والمفسّرين أنّ القرآن يطنب ويبديء ويعيد في خطاب اليهود خاصّة، وذلك لما كانت شحنت به أذهانهم ممّا يسمّى علماً أو فقهاً، فأبعدهم عن أن يصل شعاع الحق إلى ما وراء ذلك من نفوسهم. ويكتفي بالإيجاز، بل بالإشارة الدقيقة في خطاب العرب؛ لما كانوا عليه من سرعة الفهم ورقة الإحساس لقربهم من السذاجة الفطرية، فالإشارة إلى البرهان في ضمن تمثيل، يغني عندهم عن الأسهاب والتطويل؛ ولذلك خاطبهم بمثل قوله في الأصناموَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [الحج: 73].

قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي وأذكر أيها الرسول إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل، وقد تقدّم ذكر أخذ الميثاق عليهم في سياق خطابهم، ولم يبيّنه لعلمهم به، وقوله هنا: { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } ، إلخ: بيان له (أي للميثاق) لا مقول قول محذوف كما قال المفسّر. يقال: أخذت عليك عهداً تفعل كذا، كما تقول: أن تفعل كذا، سواء. وهو خبر بمعنى النهي للمبالغة والتأكيد، يلاحظ فيه أن الأمر والنهي قد أمتثل فيخبر بوقوعه، أو إنّه لتوثيقه والتشديد في تأكيده سيمتثل حتماً فيخبر بأنّه كائن لا محالة. أقول: وهذا النهي عن عبادة غير الله مستلزم للأمر بعبادته تعالى، ولم يصرّح به؛ ولأنّهم كانوا يعبدون الله، وإنّما يخشى عليهم الشرك به كما وقع منهم في بعض الأجيال ومن غيرهم من الشعوب. فالأصل الأوّل لدين الله على ألسنة جميع رسله، هو: أن يعبد الله وحده ولا يشرك به عبادة أحد سواه من ملك ولا بشر ولا ما دونهما بدعاء ولا بغيره من أنواع العبادة، كما قال:وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [النساء: 36] فالتوحيد لا يحصل إلاّ بالجمع بين الأمرين.

قال تعالى: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وتحسنون بالوالدين إحساناً.

السابقالتالي
2 3 4 5