الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

هذا ضرب من ضروب غرورهم عطفه على ما قبله فقال: { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } قيل هي أربعون يوماً مدّة عبادتهم العجل، والذي عليه أكثر اليهود أنها سبعة أيام؛ لأن عمر الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة، فالإسرائيلي الذي لا تدركه الشفاعة يمكث في النار سبعة أيام، عن كلّ ألف سنة يوم. ومثل هذا الحكم لا يمكن القول به، إلاّ بعهد من الله تعالى مالك يوم الدين والجزاء، وإلاّ كان افتئاتاً عليه سبحانه، وقولا عليه بغير علم، وهذا ما ردّ به عليهم ولله الحجّة البالغة وأمر رسوله أن يخاطبهم به بقوله: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ } أي هل عهد الله إليكم ذلك ووعد به فكان حقاً لكم عنده؛ لأنّ الله لا يُخلف عهده؟ وقال ابن جرير وبعض المفسّرين معناه: هل اتخذتم عند الله عهداً بإتباع شريعته إعتقاداً وائتماراً وانتهاء وتخلّقاً، فأنتم واثقون بعهد الله في كتابه لمن كان كذلك بالنجاة من النار ودخول الجنّة، ومغفرة ما عساه يفرط منه من السيئات أو العقوبة عليه مدّة قصيرة؟! والإستفهام للإنكار، أي لستم على عهد من الله تعالى ولذلك كذّبهم بقوله: { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أم تقولون على الله شيئاً ليس لكم به علم، إذ العلم بمثله لا يكون إلاّ بوحي منه يبلّغه عنه رسله، والقول على الله بغير علم جرأة وافتيات عليه وكفر به. والمعنى: إنّه لا بدّ من أحد الأمرين إذ لا واسطة بينهما: أمّا إتخاذ عهد عند الله، وأمّا القول على الله بغير علم. وإذا كان إتخاذ العهد لم يحصل، تعيّن أنكم تكذّبون على الله بجهلكم وغروركم، { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } الآية بلى مبطلة لدعواهم. وقال الأستاذ، للسيئة هنا إطلاقها، وخصّها مفسّرنا (الجلال) - وبعض المفسّرين - بالشرك، ولو صحّ هذا لما كان لقوله تعالى: { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } معنى، فإنّ الشرك أكبر السيئات وهو يستحق هذا الوعيد لذاته كيفما كان. ومعنى إحاطة الخطيئة: هو حصرها لصاحبها وأخذها بجوانب إحساسه ووجدانه، كأنه محبوس فيها لا يجد لنفسه مخرجاً منها، يرى نفسه حرّاً مطلقاً وهو أسير الشهوات، وسجين الموبقات، ورهين الظلمات، وإنّما تكون الإحاطة بالإسترسال في الذنوب، والتمادي على الإصرار، قال تعالى:كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] أي من الخطايا والسيئات، ففي كلمة " يكسبون " معنى الاسترسال والإستمرار. وران عليه: غطاه وستره، أيّ أن قلوبهم قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي، حتى لم يبق منفذ للنور يدخل إليها منه. ومن أحدث لكل سيئة يقع فيها توبة نصوحاً وإقلاعاً صحيحاً، لا تحيط به الخطايا ولا ترين على قلبه السيئات.

السابقالتالي
2