الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

قال الأستاذ: كان الذي تقدّم بياناً من الله تعالى لصنفين من الناس لهم في القرآن هداية، ولنفوسهم إلى الاهتداء به انبعاث: الأوّل: من الصنفين: أولئك الذين يبلغهم لأوّل مرّة، وهم ممّن يخشى الله ويهاب سلطانه، وفي أصول اعتقادهم الإيمان بما وراء الحسّ على ما تقدّم. والثاني: أولئك الذين آمنوا بما أنزل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله [وهذا الصنف قد يجتمع مع الذي قبله فيمن كانوا متّقين مؤمنين بالغيب، ثمّ آمنوا بالنبيّ وبما جاء به، وقد يفترق الصنفان فيمن بقي إلى اليوم ولم تبلغه الدعوة، وهو على تلك الأوصاف، ومن ولد من آباء مؤمنين ثمّ صدق إيمانه بعد أن بلغ رشده وملك عقله].

أمّا هاتان الآيتان فقد بيّنتا حال طائفة ثالثة من الناس، وهم الكافرون، ثم يبيّن قوله تعالى:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } [البقرة: 8] إلخ، حال طائفة أخرى أخصّ منها، وهم المنافقون، الذين يظهر من أقوالهم وفي بعض أفعالهم أنّهم مؤمنون، ولكنّهم في حقيقة أمرهم كافرون، بل شرّ من الكافرين [فهذه أقسام أربعة ينقسم إليها الناس إذا بلغهم القرآن ونظروا فيه، ودعوا إلى الإيمان به والأخذ بهديه].

بيّن الله تعالى لنبيّه أنّه إذا كان يوجد في الناس من لا يؤمن بالقرآن، فليس هذا عيباً وتقصيراً في هداية الكتاب، وإنّما العيب فيهم لا في الكتاب؛ لأنّه هداية كسائر الهدايات الطبيعيّة التي أعرض الناس وعموا عنها [كهداية العقل والسمع والبصر ونحوها، ممّا أكرم الله به هذا النوع البشريّ، وقد يحكم الرجل بأنّ في العمل مضرّة تلحق به، ومع ذلك يعدل عن حكمه انتهازاً للذّة زيّنها له حسّه أو وهمه ويأتي ذلك العمل على ما يعلم من سوء مغبّته. فاحتقار الرجل لعقل نفسه لا يعدّ عيباً في تلك الموهبة الإلهية، ولا يحطّ من شأن النعمة فيها. أنظر إلى رجل يغمض عينيه ويمشي في طريق لا يعرفها فيسقط في حفرة وتتحطّم عظامه، هل ينقص ذلك من قدر بصره، ويبخس من حقّ الله في الإحسان به، على هذا الذي لم يرد أن يستعمله فيما خلق له] ففي الكلام تسلية لأهل الحقّ، وسيّدهم هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهو تسلية له أوّلاً وبالأولى.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [البقرة: 6] أقول: هذا بيان لحال القسم الثاني من أقسام الناس تجاه هداية القرآن، وقد قطعه وفصله ممّا قبله، فلم يعطفه عليه؛ للإشارة إلى ما بينهما من طول شقّة الانفصال وعدم المشاركة في شيء ما، بخلاف القسم الثالث الآتي، فإنّ لهم حظّاً منه في الدنيا، ولمن يتوب منهم حظّ في الآخرة أيضاً.

والكفر في اللغة: ستر الشيء وتغطيته وإخفاؤه، ولذلك وصف به الليل والبحر والزراع في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7