الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

جاء في الآية السابقة ذكر تنجية بني إسرائيل من آل فرعون، وهو على كونه تفصيلاً لما قبله من حيث التذكير بالنعم، مجمل من حيث الإنجاء، فإنه يشمل النجاة بجميع أنواعها من ذلك العذاب. وذكر في هذه الآية نعمته في طريق الإنجاء بالتفصيل بعد الإجمال؛ لبيان عناية الله تعالى بهم فيها، إذ جعل وسيلته من خوارق العادات؛ وجعل في طريقه هلاك عدوهم. وقد يقال: إن هذه نعمة مستقلة من نعمه تعالى عليهم، لا أنها بيان الإجمال في التي قبلها.

لما أرسل الله تعالى موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه يدعوهم إلى توحيد الله، وإلى أن يخلّي بينه وبين شعب إسرائيل بعد إطلاقهم من ذلك الإستعباد والتعذيب، لم يزدهم فرعون إلاّ تعذيباً وتعبيداً. وفي سفر الخروج من تاريخ التوراة: إن الله تعالى أنبأ موسى بأنه يقسّي قلب فرعون فلا يخفف العذاب عن بني إسرائيل ولا يرسلهم مع موسى؛ حتى يريه آياته. وأنه بعد الدعوة زاد ظلماً وعتوّاً، فأمر الذين كانوا يسخّرون بني إسرائيل في الأعمال الشاقة، بأن يزيدوا في القسوة عليهم، وأن يمنعوهم التبن الذي كانوا يعطونهم إيّاه لعمل اللبن (الطوب) ويكلفوهم أن يجمعوا التبن ويعملوا كل ما كانوا يعملونه من اللبن لا يخفف عنهم منه شيء. فأعطى الله تعالى موسى وأخاه هارون الآيات البينات، فحاول فرعون معارضتها بسحر السحرة، فلما آمن السحرة برب العالمين، رب موسى وهارون؛ لعلمهم أن ما جاء به ليس من السحر، وإنما هو تأييد من الله تعالى. ورأى ما رأى بعد ذلك من آيات الله لموسى؛ سمح بخروج بني إسرائيل، بل طردهم طرداً، وفي سفر الخروج أنهم خرجوا في شهر أبيب وكانت إقامتهم في مصر 430 سنة، ثم أتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليمّ ما غشيهم، وأنجى الله بني إسرائيل، وأغرق فرعون ومن معه، وذلك قوله عزّ وجل:

{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } أي واذكروا من نعمنا عليكم إذ فرقنا بكم البحر، فجعلنا لكم فيه طريقاً يبساً سلكتموه في هربكم من فرعون { فَأَنجَيْنَٰكُمْ } بعبوره من جانب إلى آخر { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } إذ عبروا وراءكم { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } ذلك بأعينكم، ولولاه لعظم عليكم خبر غرقهم ولم تصدّقوه.

قال الأستاذ الإمام: فلق البحر كان من معجزات موسى. وقد قلنا في رسالة التوحيد: إن الخوارق الجائزة عقلا - أي التي ليس فيها إجتماع النقيضين، ولا إرتفاقهما - لا مانع من وقوعها بقدرة الله تعالى على يد نبي من الأنبياء، ويجب أن نؤمن بها على ظاهرها، ولا يمنعنا هذا الإيمان من الإهتداء بسنن الله تعالى في الخلق واعتقاد أنها لا تتبدل ولا تتحول، كما قال الله في كتابه الذي ختم به الوحي، على لسان نبيه الذي ختم به النبيين، فانتهى بذلك زمن المعجزات.

السابقالتالي
2 3 4