الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

هذه الآية كالتي قبلها واللواتي بعدها: تفصيل لنعمة الله على شعب إسرائيل التي ذكرت من قبل مجملة؛ وابتُدئ التفصيل بذكر التفضيل لما تقدّم من الحكمة في ذكره، وهو نهوض الهمّة إلى التخلّق بالأخلاق الفاضلة، والترفّع عن الرضا بما دون المقام الذي رفعهم الله إليه، وتوطين النفس لقبول الموعظة، إلخ ما تقدّم. ثمّ ذكّرهم بما حلّ بهم من البلاء والعقوبات جزاء على جرائمهم، وبلطف الله تعالى بهم إنجائهم من البلاء، وتوبته عليهم المرّة بعد المرّة؛ ليعرّفهم مقدار فضله وعقوبته معاً.

والآية معطوفة على ما قبلها من سلسلة الذكريات فقوله: { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } عطف تفصيل على الإجمال في قوله:ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي } [البقرة: 47] أي: نعمي الكثيرة لأنّ المفرد المضاف يفيد العموم، أي واذكروا إذ نجّيناكم من آل فرعون. وفرعون لقب لمن تولّى ملك مصر قبل البطالسة، وآلُهُ خاصّته، وقد يطلق على قومه قدماء المصريّين. ولمّا كانت التنجية لا تكون إلاّ من ظلم أو شرّ، بيّن ما نجّاهم منه بقوله: { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي يكلّفونكم ويبغونكم ما يسوؤكم ويذلّكم من العذاب، ثمّ بيّن ذلك بقوله: { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } أي يقتلون ذكران نسلكم ويستبقون إناثه، أحياءً لإضعافكم وإذلالكم المفضي إلى قطع نسلكم وإبادتكم { وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } أي وفي ذلكم العذاب وفي التنجية منه - في كلٍّ منهما - بلاء وامتحان عظيم لكم من ربّكم، كما قال في آية أخرى:وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأعراف: 168].

قال الأستاذ الإمام: في هذه الآية بعد قراءة عبارة الجلال ما مثاله: خاطب الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بما كان لآبائهم؛ لأنّ الإنعام على أمّة بعنوان أنّها أمّة كذا، هو إنعام شامل للأمّة مَن أصابه ذلك الإنعام من أفرادها ومن لم يصبه، ويصحّ الإمتنان به على اللاحقين منهم والسابقين، كما يصحّ الفخر به منهم أجمعين، كما أنّ الإنعام على شخص بشيء يختصّ بعضو من أعضائه، كلبوس يلبسه، أو لذيذ طعام يطعمه، يكون إنعاماً على الشخص، ولا يقال: إنه إنعام على لسان فلان ولا على رأسه، أو يده أو رجله، ولأن ما وصل إلى مجتمع بعنوان ذلك الإجتماع والرابطة التي ربطت أفراده بعضهم ببعض يكون له أثر في مجموع الأفراد، لا سيما إذا كان الواصل من نقمة أو نعمة مسبباً عن عمل الأمة. شراً أو خيراً، ويكون لذلك أثر في الأمة يورثه السلف الخلف ما بقيت الأمة. وأنواع البلاء التي ذكر بها اليهود في القرآن كانت لشعب إسرائيل من حيث هو شعب إسرائيل؛ لأن الجرائم التي كان البلاء عقوبة عليها، إنما كانت من مجموع الشعب، من حيث هو شعب إسرائيل.

السابقالتالي
2 3 4