الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

مجمل الآيات السابقة: إنّ هذا العالم لمّا استعدّ لوجود هذا النوع الإنسانيّ، واقتضت الحكمة الإلهية إيجاده واستخلافه في الأرض، آذن الله تعالى الأرواح المنبثّة في الأشياء لتدبيرها ونظامها بذلك، وأنّ تلك الأرواح فهمت من معنى كون الإنسان خليفة أنّه يفسد النظام ويسفك الدماء، حتى أعلمها الله تعالى بأنّ علمها لم يحط بمواقع حكمته، ولا يصل إلى حيث يصل علمه تعالى، ثمّ أوجد آدم وفضّله بتعليمه الأسماء كلّها، على أنّ كلّ صنف من تلك الأرواح لا يعلم إلاّ طائفة منها، ولذلك أخضع له تلك الأرواح إلاّ روحاً واحداً هو مبعث الشرّ ومصدر الإغواء فقد أبى الخضوع، واستكبر عن السجود، لِما كان في طبيعته من الإستعداد لذلك. والإستعداد في الشيء إنّما يظهر بظهور متعلّقه، فلا يقال: إذا كان لكلّ روح من هذه الأرواح والقوى الغيبيّة علم محدود فكيف ظهر من الروح الإبليسيّ ما لم يسبق له، وهو مخالفة الأمر بالسجود لآدم والتصدّي لإغوائه؟ لا يقال ذلك؛ لأنّه كان مستعدّاً لهذا العصيان والإباء فلمّا أُمر عصى، ولمّا وجد خلقاً مستعدّاً للوسوسة اتّصل به ووسوس إليه، كما أنّ ألوان ورق الشجر والزهور موجودة كامنة في البذرة، ولكنّها لا تظهر إلاّ عند الإستعداد لها ببلوغ الطور المحدود من النمو.

ومجمل الآيات اللاحقة: إنّ الله تعالى أمر آدم وزوجه بسكنى الجنة والتمتّع بها، ونهاهما عن الأكل من شجرة مخصوصة، وأخبرهما أنّ قربها ظلم. وأنّ الشيطان أزلّهما عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه من النعيم إلى ضدّه. ثمّ إنّ آدم تاب إلى الله من معصيته فقبله. ثمّ جعل سعادة هذا النوع باتّباع هدى الله وشقاءه بتركه. وقد تقدّم أنّ الآيات كلّها قد سيقت للإعتبار ببيان الفطرة الإلهية التي فطر عليها الملائكة والبشر، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم عمّا يلاقي من الإنكار. وتقدّم وجه ذلك في الآيات السابقة. وأمّا وجهه في هذه الآيات فظاهر، وهو أنّ المعصية من شأن البشر، كأنّه يقول: فلا تأسَ يا محمّد على القوم الكافرين، ولا تبخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً [فقد كان الضعف في طباعهم ينتهي إليهم من أوّل سلف لهم، تغلب عليهم الوساوس، وتذهب بصبرهم الدسائس، أنظر ما وقع لآدم وما كان منه، وسنّة الله مع ذلك لا تتبدّل، فقد عوقب آدم على خطيئته بإهباطه ممّا كان فيه، وإن كان قد قبل توبته، وغفر هفوته] فالمعصية دائماً مجلبة الشقاء. وقد استقرّ أمر البشر على أنّ سعادتهم في اتّباع الهداية الإلهية وشقاءهم في الإنحراف عن سبلها.

وأمّا تفسير هذه الآيات بالتفصيل، فقد اختلف علماء المسلمين من أهل السنّة وغيرهم في { ٱلْجَنَّةَ } هل هي البستان، أو المكان الذي تظلّله الأشجار بحيث يستتر الداخل فيه كما يفهمه أهل اللغة؟ أم هي الدار الموعود بها في الآخرة؟ والمحقّقون من أهل السنّة على الأوّل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7