الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

تقدّم في بيان معنى الخليفة أنّ علم الملائكة، وعملهم محدودان، وأنّ علم الإنسان وعمله غير محدودين، وبهذه الخاصّة التي فطر الله الناس عليها كان الإنسان أجدر بالخلافة من الملائكة، وهذه هي حجّة الله البالغة على الملائكة التي بيّنها لهم بعد ما نبّههم إلى علمه المحيط بما لا يعلمون فقال: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } أي أودع في نفسه علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين، فالمراد بالأسماء المسميّات، عبّر عن المدلول بالدليل، لشدّة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له، وسرعة الإنتقال من أحدهما إلى الآخر. والعلم الحقيقيّ إنّما هو إدراك المعلومات أنفسها، والألفاظ الدالّة عليها تختلف بإختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والإصطلاح، فهي تتغيّر وتختلف والمعنى لا تغيير فيه ولا اختلاف.

قال الأستاذ: ثمّ إنّ الاسم قد يطلق إطلاقاً صحيحاً على ما يصل إلى الذهن من المعلوم أي صورة المعلوم في الذهن، وبعبارة أخرى: ما به يعلم الشيء، عند العالم. فاسم الله- مثلا - هو ما به عرفناه في أذهاننا، بحيث يقال: إنّنا نؤمن بوجوده، ونسند إليه صفاته، فالأسماء هي ما به نعلم الأشياء، وهي العلوم المطابقة للحقائق. والاسم بهذا الإطلاق هو الذي جرى الخلاف في أنّه عين المسمّى أو غيره، وقد كان اليونانيّون يطلقون على ما في الذهن من المعلوم لفظ الاسم. والخلاف في أنّ ما في الذهن من الحقائق هو عينها أو صورتها، مشهور كالخلاف في أنّ العلم عين المعلوم أو غير المعلوم، وأمّا الخلاف في أنّ الاسم الذي هو اللفظ عين المسمّى أو غيره فهو ما أخطأ فيه الناظرون؛ لعدم الدقّة في التمييز بين الإطلاقات لبداهة أنّ اللفظ غير معناه بالضرورة.

والاسم - بذلك الإطلاق الذي ذكرناه - هو الذي يتقدّس ويتبارك ويتعالى:سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1]،تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [الرحمن: 78] فاسمه جلّ شأنه ما يمكننا أن نعلم منه ما نعلم من صفاته، وما يشرق في أنفسنا من بهائه وجلاله، ولا مانع من أن نريد من الأسماء هذا المعنى، وهو لا يختلف في التأويل عمّا قالوه من إرادة المسمّيات، ولكنّه على ما نقول أظهر وأبين.

وأقول: تقدّم لنا في أوّل سورة الفاتحة أنّ اسم الله تعالى يسبِّح ويعظِّم، ومنه إسناد التسبيح إليه قولا وكتابة. وتسبيحه وتعظيمه بدون ذكر اسمه خاصّ بالقلب. ومن تعمّد إهانة اسم الله تعالى يكفر كمن يتعمّد إهانة كتابه.

ثمّ إنّ الذي يتبادر إلى الفهم من صيغة التعليم هو التدريج قال تعالى:وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 151] وما كان ذلك إلاّ تدريجاً وهذا ظاهر في جميع الآيات التي فيها لفظ التعليم كقوله:وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ }

السابقالتالي
2 3