الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

تمهيد للقصّة ومذهب السلف والخلف في المتشابهات

إنّ أمر الخلقة وكيفيّة التكوين، من الشؤون الإلهية التي يعزّ الوقوف عليها كما هي، وقد قصّ الله علينا في هذه الآيات خبر النشأة الإنسانيّة على نحو ما يؤثر عن أهل الكتاب من قبلنا، ومثّل لنا المعاني في صور محسوسة، وأبرز لنا الحكم والأسرار بأسلوب المناظرة والحوار، كما هي سنّته في مخاطبة الخلق، وبيان الحقّ. وقد ذهب الأستاذ إلى أنّ هذه الآيات من المتشابهات التي لا يمكن حملها على ظاهرها؛ لأنّها بحسب قانون التخاطب إمّا استشارة وذلك محال على الله تعالى، وإمّا إخبار منه سبحانه للملائكة واعتراض منهم ومحاجّة وجدال، وذلك لا يليق بالله تعالى أيضاً ولا بملائكته، ولا يجامع ما جاء به الدين من وصف الملائكة ككونهملاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] وقد أورد الأستاذ مقدّمة تمهيديّة لفهم القصّة فقال ما مثاله:

أجمعت الأمّة الإسلاميّة على أنّ الله تعالى منزّه عن مشابهة المخلوقات، وقد قام البرهان العقليّ والبرهان النقليّ على هذه العقيدة، فكانت هي الأصل المحكم في الاعتقاد الذي يجب أن يردّ إليه غيره، وهو التنزيه، فإذا جاء في نصوص الكتاب أو السنّة شيء ينافي ظاهره التنزيه، فللمسلمين فيه طريقتان:

إحداهما: طريقة السلف: وهي التنزيه الذي أيّد العقل فيه النقل، كقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] وقوله عز وجل:سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180] وتفويض الأمر إلى الله تعالى في فهم حقيقة ذلك، مع العلم بأنّ الله يعلمنا بمضمون كلامه ما نستفيد به في أخلاقنا وأعمالنا وأحوالنا، ويأتينا في ذلك بما يقرب المعاني من عقولنا ويصورها لمخيّلاتنا.

والثانية: طريقة الخلف، وهي: التأويل. يقولون: إنّ قواعد الدين الإسلاميّ وضعت على أساس العقل، فلا يخرج شيء منها عن المعقول، فإذا جزم العقل بشيء وورد في النقل خلافه، يكون الحكم العقليّ القاطع قرينة على أنّ النقل لا يراد به ظاهره، ولا بدّ له من معنىً موافق يحمل عليه، فينبغي طلبه بالتأويل. (قال الأستاذ): وأنا على طريقة السلف في وجوب التسليم والتفويض فيما يتعلّق بالله تعالى وصفاته وعالم الغيب، وأنّنا نسير في فهم الآيات على كلا الطريقتين؛ لأنّه لا بدّ للكلام من فائدة يحمل عليها؛ لأنّ الله عزّ وجل لم يخاطبنا بما لا نستفيد منه معنىً.

وأقول: أنا - مؤلّف هذا التفسير: إنّني ولله الحمد على طريقة السلف وهديهم، عليها أحيا وعليها أموت إن شاء الله تعالى، وإنّما أذكر من كلام شيخنا ومن كلام غيره ومن تلقاء نفسي، بعض التأويلات لما ثبت عندي بإختباري الناس أنّ ما انتشر في الأمّة من نظريّات الفلاسفة ومذاهب المبتدعة المتقدّمين والمتأخّرين، جعل قبول مذهب السلف وإعتقاده يتوقّف في الغالب على تلقّيه من الصغر بالبيان الصحيح وتخطئة ما يخالفه، أو طول ممارسة الردّ عليهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8