الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

جعل بعض المفسّرين قوله تعالى: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } بمثابة الدليل على ما قبله. وقال الأستاذ الإمام الآية متّصلة بقوله تعالى:وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [البقرة: 283]. ويصحّ أن تكون متمّمة لها لأنّ مقتضى كونه عليماً بكلّ شيء أنّ له كلّ شيء فهذا كالدليل على كونه عالماً بكلّ شيء أي أنّه عليم به. لأنّه له وهو خالقه فهو كقوله:أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } [الملك: 14] وبهذا الاستدلال يتقرّر النهي عن كتم الشهادة وكونه إثماً يعاقب عليه وأكّده بقوله: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } لدخول كتمان الشهادة في عموم ما في النفس قال: ويصحّ أن تكون الآية متّصلة بآية الدين من أوّلها لأنّه شرّع لنا أحكاماً تتعلّق بالدَين كالكتابة والشهادة فكأنّه يقول إن تساهلتم في هذه الأحكام وأضعتم الحقوق فتظاهرتم بالأمانة مع انطواء النفس على الخيانة وغالطتم الناس وأكلتم أموالهم بذلك أو أضعتموها بكتمان الشهادة ونحو ذلك فإنّ الله يحاسبكم ويعاقبكم على ذلك لأنّ له ما في السماوات وما في الأرض منها أنتم وأعمالكم النفسية أو البدنية. أقول: وجعلها بعضهم متعلّقة بأحكام السورة كلّها.

قال: والمراد بقوله: { مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } الأشياء الثابتة في أنفسكم وتصدر عنها أعمالكم كالحقد والحسد وأُلفة المنكرات التي يترتّب عليها ترك النهي عن المنكر فإنّ السكوت عن النهي أمر كبير يحلّ الله عقوبته في الأمّة بسببه وليس هو مجرّد اتفاق السكوت وإنّما هو بإعتبار سببه في النفس وهو ألفة المنكر والأنس به وللإنسان عمل اختياري في نفسه هو الذي يحاسب عليه. نعم إنّ الخواطر والهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان ولا يكون له فيها تعمد ولكنّه إذا مضى معها واسترسل تحسب عليه عملاً يجاز عليه لأنّه سايرها مختاراً وكان يقدر على مطاردتها وجهادها. وسواء كانت هذه الخواطر والهواجس صادرة عن ملكة في النفس تثيرها أو عن شيء لا يدخل في حيّز الملكة. مثال ذلك الحسود تبعث ملكة الحسد في نفسه خواطر الإنتقام من المحسود والسعي في إزالة نعمته لتمكّنها في نفسه وإمتلاكها لمنازع فكره، وهذه الخواطر ممّا يحاسب عليها أبداها أو أخفاها إلاّ أن يجاهدها ويدافعها فذلك ما يكلّفه. ومثال الثاني المظلوم يذكّر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه والهرب من أذاه وربّما استرسل مع خواطره إلى أن تجرّه إلى تدبير الحيل للإيقاع به ومقابلة ظلمه بما هو شرّ منه فيكون مؤاخذاً عليها، أبداها أو أخفاها وقد قال تعالى:لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ }

السابقالتالي
2 3 4 5