الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

ذكر الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى في وجوه الإتّصال بين هاتين الآيتين وما قبلهما صفوة ما قال المفسّرون موضحاّ ونذكر صفوة ما قاله كذلك: الكلام في الأموال بدأ بالترغيب في الصدقات والإنفاق في سبيل الله وذلك محض الرحمة وثنّى بالنهي عن الربا الذي هو محض القساوة ثمّ جاء بأحكام الدين والتجارة والرهن أقول: وهي محض العدالة فقد أمرنا الله ببذل المال حيث ينبغي البذل وهو الصدقة والإنفاق في سبيله، وبتركه حيث ينبغي الترك وهو الربا، وبتأخيره حيث ينبغي التأخير وهو إنظار المعسر وبحفظه حيث ينبغي الحفظ وهو كتابة الدَّين والإشهاد عليه وعلى غيره من المعاوضات وأخذ الرهن إذا لم يتيسّر الاستيثاق بالكتابة والإشهاد. ذلك بأنّ من يضيع ماله بإهمال المحافظة عليه لا يكون محموداً عند الناس ولا مأجوراً عند الله، كما قال الحسن عليه الرضوان في المغبون بالبيع.

قال الأستاذ الإمام: ولمّا كانت سلطة صاحب الربا قد زالت بتحريمه ولم يبق له إلاّ رأس المال وقد أمر بإنظار المعسر فيه، وكان لا بدّ لحفظه من كتابته إذ ربّما يخشى ضياعه بالإنظار إلى الأجل - جاء بعد أحكام الربا بأحكام الدَّين ونحوه ويقول بعض المفسرين: وله الحقّ، إنّه تقدّم في الآيات طلب الإنفاق والتصدّق ثمّ حكم الربا الذي يناقض الصدقة ثمّ جاء هنا بما يحفظ المال الحلال لأنّ الذي يؤمر بالإنفاق والصدقة، ويترك الربا لا بدّ له من كسب ينمي ماله ويحفظه من الضياع ليتسنّى له القيام بالإنفاق في سبيل الله ولا يضطرّ بالفاقة إلى الوقوع فيما حرّم الله. وهذا يدلّ على أنّ المال ليس مذموماً لذاته في دين الله ولا مبغضاً عنده تعالى على الإطلاق كيف وقد شرّع لنا الكسب الحلال وهدانا إلى حفظ المال وعدم تضييعه وإلى اختيار الطرق النافعة في إنفاقه بأن نستعمل عقولنا في تعرّفها ونوجّه إرادتنا إلى العمل بخير ما نعرفه منها. ففي آية الدَين بعد ما تقدّم احتراس أو استدراك مزيل ما عساه يتوهّم من الكلام السابق وهو أنّ المبالغة في الترغيب في الإنفاق في سبيل الله والتشديد في تحريم الربا يدلاّن على أنّ جمع المال وحفظه مذموم على الإطلاق كما هو ظاهر نصوص بعض الأديان السابقة. فكأنه يقول إنّا لا نأمركم بإضاعة المال وإهماله، ولا بترك استثماره واستغلاله، إنّما نأمركم بأن تكسبوه من طرق الحلّ، وتنفقوا منه في طرق الخير والبرّ، أقول ويؤيّد هذا المعنى قوله تعالى:وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } [النساء: 5] أي تقوم وتثبت بها منافعكم ومصالحكم وحديث " نعما المال الصالح للمرء الصالح " رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمرو بن العاص بسند صحيح وإنّما المذموم في الشرع أن يكون الإنسان عبداً للمال، يبخل به ويجمعه من الحرام والحلال، كما ورد في حديث أبي هريرة عند البخاري

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد