الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

نزلت هذه الآيات في تحريم الربا الذي كان معروفاً في الجاهلية يأتيه اليهود والمشركون. وهي من آخر القرآن نزولاً كما سيأتي. وذكرت في النظم بعد آيات الصدقة التي كان آخرها آية الكاملين في السخاء والجود الذين ينفقون في عامّة الأوقات والأحوال، لما بينها من التناسب بالتضادّ. فالمتصدّق يعطي المال بغير عوض يقابله والمرابي يأخذ المال بغير عوض يقابله. وإنّنا نذكر تفسير الآيات ثمّ نفيض الكلام في مسألة الربا وحكمة تحريمه. لأنّ لهذه المسألة شأناً كبيراً في حياة الأمة السياسية والإجتماعية في هذا العصر، ويزعم بعض المتفرنجين من المسلمين أنّ تحريم الربا هو العقبة الكؤد في طريق مجاراة المسلمين للأمم الغربية في الثروة التي هي مناط العزّة والقوّة.

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } تنفير من الربا وتبشيع لحال آكله. والمراد بالأكل الأخذ لأجل التصرّف، وأكثر مكاسب الناس تنفق في الأكل ومن تصرّف في شيء من مال غيره يقال أكله وهضمه أي أنّه تصرّف فيه تمام التصرّف حتّى لا مطمع في ردّه. والربا في اللغة الزيادة، يقال ربا الشيء يربو إذا زاد على ما كان عليه، ومنه الرابية لما علا من الأرض فزاد على ما حوله. وتعريف الربا للعهد أي لا تأكلوا الربا الذي عهدتم في الجاهلية. وذكر ابن جرير في تفسير الآية وتفسير آية آل عمران كيفية ذلك قال: وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم أنّ الرجل كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه فيقول له الذي عليه المال: أخّر عنّي دينك وأزيدك على مالك فيفعلان ذلك فذلك هو الربا أضعافاً مضاعفة فنهاهم الله عزّ وجلّ في إسلامهم عنه. اهـ. وذكر وقائع للجاهلية في ذلك سننقلها عنه في موضعها.

وأمّا قيام آكلي الربا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ، فقد قال ابن عطيّة في تفسيره: المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يصرع بحركات مختلفة قد جنّ. أقول: وهذا هو المتبادر. ولكن ذهب الجمهور إلى خلافه وقالوا: إنّ المراد بالقيام القيام من القبر عند البعث وأنّ الله تعالى جعل من علامة المرابين يوم القيامة أنّهم يبعثون كالمصروعين. ورووا ذلك عن ابن عبّاس وابن مسعود بل روى الطبراني من حديث عوف بن مالك مرفوعاً: " إيّاك والذنوب التي لا تغفر - الغلول فمن غلّ شيئاً أتى به يوم القيامة والربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبّط ". أقول: والمتبادر إلى جميع الأفهام ما قاله ابن عطيّة لأنّه إذا ذكر القيام انصرف إلى النهوض المعهود في الأعمال، ولا قرينة تدلّ على أنّ المراد به البعث.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد