الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

أقول: حثّت الآيات السابقة على الصدقة والإنفاق في سبيل الله أبلغ حثّ وآكده وأرشدت إلى ما يجب أن يتّصف به المنفق عند البذل من الإخلاص وقصد تثبيت النفس وما يجب أن يتّقيه بعد البذل وهو المنّ والأذى، فكان ذلك إرشاداً يتعلّق بالبذل والباذل، ثمّ أراد تعالى أن يبيّن لنا ما ينبغي مراعاته في المبذول ليكمل الإرشاد في هذا المقام فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } فبيّن نوع ما ينفق ويبذل ووصفه. أمّا الوصف فهو أن يكون من الطيّبات والطيب هو الجيّد المستطاب وضدّه الخبيث المستكره. ولذلك قال في مقابل هذا الأمر { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } أصل تيمّموا تتيمّموا. ومن العجيب أن يختلف المفسّرون في تفسير الطيب هل يراد به ما ذكر أم هو بمعنى الحلال وأن يرجّح بعض المعروفين بالتدقيق منهم الثاني. وبعضهم أنّه ورد هنا بالمعنيين على أنّ بعضهم عزا الأول إلى الجمهور. نعم إنّ كلّ جيد وحسن يوصف بالطيب وإن كان حسنه معنوياً فيقال البلد الطيّب والكلم الطيّب، ولكن أسلوب الآية يأبى أن يراد بالطيّبات هنا أنواع الحلال وبالخبيث المحرّم وقواعد الشرع لا ترضاه. وما ورد في سبب نزول الآية يؤيّد أسلوبها وهو أنّ بعض المسلمين كانوا يأتون بصدقتهم من حشف التمر وهو رديئه رواه ابن جرير عن البراء بن عازب وفي رواية عن الحسن: " كانوا يتصدّقون من رذالة مالهم " وفي أخرى عن علي رضي الله عنه: " نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيّد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء " وقد أورد ابن جرير في ذلك عدّة روايات. والمعنى أنفقوا من جياد أموالكم ولا تيمّموا أي تقصدوا الخبيث فتجعلوا صدقتكم منه خاصّة دون الجيّد. فهو نهي عن تعمّد حصر الصدقة في الخبيث ولا يدلّ على منع التصدّق به من غير تعمّد ولا حصر ولو أريد بالخبيث الحرام، لنهي عن الإنفاق منه البتة لا عن قصد التخصيص فقط أمّا وقد جاءت الآية بالأمر بالإنفاق من الطيّبات من غير حصر للنفقة فيها وبالنهي عن تحرّي الإنفاق من الخبيث خاصّة دون الطيّب لا عن مطلق الإنفاق من الخبيث فلا يجوز مع هذا أن يراد بالطيّبات الحلال وبالخبيث المحرّم. على أنّ الأصل في مال المؤمنين أن يكون حلالاً وإنّما خوطبوا بالإنفاق ممّا في أيديهم فلو أريد بالطيّبات والخبيث ما ذكر لكان الخطاب مبنيّاً على أنّ أموال المؤمنين فيها الحلال والحرام وكان منطوق الآية أنفقوا من الحلال ولا تتحرّوا جعل صدقاتكم من الحرام وحده ومفهومها جواز التصدّق بالحرام أيضاً وهذا ما يأباه النظم الكريم، والشرع القويم، ثمّ إنّ ما اخترناه مؤيّد بقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3