الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

بعد أن أمرنا تعالى بالإنفاق في سبيله قبل أن يأتي يوم لا مال فيه ولا كسب، ولا ينجي من عقابه فيه شفاعة ولا فداء. انتقل كدأب القرآن إلى تقدير أصول التوحيد والتنزيه التي تشعر متدبّرها بعظيم سلطانه تعالى ووجوب الشكر له والإذعان لأمره والوقوف عند حدوده وبذل المال في سبيله وتحول بينه وبين الغرور والإتّكال على الشفاعات والمكفّرات التي جرّأت الناس على نبذ كتاب الله وراء ظهورهم فقال:

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } فسّر الجلال الإله بالمعبود بحقّ والحي بالدائم البقاء والقيّوم بالمبالغ بالقيام بتدبير خلقه وقد استحسن الأستاذ الإمام قوله في تفسير كلمة التوحيد وقال إنّ تفسيره لكلمة { إِلَـٰهَ } هو الشائع وهو إنّما يصحّ إذا حملنا العبادة على معناها الحقيقي وهو استعباد الروح وإخضاعها لسلطان غيبي لا تحيط به علماً، ولا تعرف له كنهاً، فهذا هو معنى التأليه في نفسه وكلّ ما ألهه البشر من جماد ونبات وحيوان وإنسان فقد اعتقدوا فيه هذا السلطان الغيبي بالاستقلال أو بالتبع لإله آخر أقوى منه سلطاناً. ومن ثمّ تعدّدت الآلهة المنتحلة وكلّ تعظيم واحترام ودعاء ونداء يصدر عن هذا الإعتقاد فهو عبادة حقيقية وإن كان المعبود غير إله حقيقة، أي ليس له هذا السلطان الذي إعتقده العابد له، لا بالذات ولا بالتوسط إلى ما هو أعظم منه. فالإله الحقّ هو الذي يعبد بحقّ وهو واحد والآلهة التي تعبد بغير حقّ كثيرة جدّاً، وهي غير آلهة في الحقيقة ولكن في الدعوى الباطلة التي يثيرها الوهم. ذلك أنّ الإنسان إذا رأى أو سمع أو توهم أنّ شيئاً غريباً صدر عن موجود بغير علّة معروفة ولا سبب مألوف، يتوهم أنّه لو لم تكن له تلك السلطة العليا والقوّة الغيبية لما صدر عنه ذلك، حتّى إنّ الذين يعتقدون النفع ببعض الشجر والجماد كشجرة الحنفي ونعل الكلشني يعدّون عابدين لها حقيقة. والحاصل أنّ معنى " لا إله إلاّ هو " ليس في الوجود صاحب سلطة حقيقية على النفوس يبعثها على تعظيمه والخضوع له قهراً منها معتقدة أنّ بيده منح الخير ورفع الضرّ بتسخير الأسباب أو بإبطال السنن الكونية إلاّ الله تعالى وحده.

قال الأستاذ الإمام: وأمّا الحي فهو ذو الحياة وهي مبدأ الشعور والإدراك والحركة والنمو. ومثّل لذلك بالنبات والحيوان، فإنّ كلاً منهما حي وإن تفاوتت الحياة فيهما فكانت في الحيوان أكمل منها في النبات. قال والحياة بهذا المعنى ممّا ينزّه الله تعالى عنه لأنّه محال عليه. ولذلك فسّر مفسّرنا " الحي " بالدائم البقاء وهو بعيد جدّاً لا يفهم من اللفظ مطلقاً وإنّما معنى الحياة بالنسبة إليه سبحانه مبدأ العلم والقدرة أي الوصف الذي يعقل معه الإتّصاف بالعلم والإرادة والقدرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10