الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

قال الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى ما مثاله مفصّلاً: كان الكلام إلى هنا في طلب بذل المال والنفس في سبيل الله تعالى، وقد ضرب له مثل الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف فماتوا بجبنهم ولم تغن عنهم كثرتهم ثمّ أحياهم الله تعالى أي أحيا أمّتهم بنفر منهم غيّروا ما بأنفسهم، ومثل الملأ من بني إسرائيل بعد أن غلب الفلسطينيون أمّتهم على أمرها وأخرجوها من ديارها وأبنائها ثمّ نصرها الله تعالى بفئة قليلة مؤمنة بلقائه، صابرة في بلائه، بعد هذا أراد سبحانه أن يقوي النفوس على القيام بذلك فذكر الأنبياء المرسلين الذين كانوا أقطاب الهداية، ومحلّ التوفيق منه والعناية، الذين بين الدليل في آخر السياق الماضي على أنّ المخاطب بهذا القرآن الذي فيه سيرتهم منهم. وكان قد ذكر قبل ذلك داود وما آتاه الله من الملك والنبوّة - ذكرهم مبيّناً تفضيل بعضهم على بعض، وخصّ بالذكر أو الوصف من بقى لهم أتباع وذكر ما كان من أمر أتباعهم من بعدهم في الاختلاف والاقتتال ثمّ عاد إلى الموضوع الأول وهو الإنفاق وبذل المال في سبيل الله لكن بأسلوب آخر كما ترى في الآية التي تلي هذه الآية. قال تعالى:

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } أي المشار إليهم بقوله:وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [البقرة: 252] في آخر الآية السابقة، ومنهم داود الذي ذكر في الآية التي قبلها. وهذا أظهر من قولهم: المراد بالرسل من ذكروا في هذه السورة، أو من قصّ الله على النبي قبل هذا من أنبائهم، أو المراد جماعة الرسل { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } مع استوائهم في اختيار الله تعالى إياهم للتبليغ عنه وهداية خلقه إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة والتصريح بهذا التفضيل وذكر بعض المفضّلين يشبه أن يكون استدراكاً مع ما ذكر في الآيات السابقة من إيتائه تعالى داود الملك والحكمة وتعليمه ممّا يشاء. فهو يقول إنّهم كلّهم رسل الله، فهم حقيقون بأن يتّبعوا ويقتدي بهداهم، وإن امتاز بعضهم على بعض بما شاء الله من الخصائص في أنفسهم وفي شرائعهم وأممهم. وقد بيّن هذا التفضيل في بعض المفضّلين فقال { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } بصيغة الإلتفات عن الضمير إلى التعبير بالظاهر لتفخيم شأن هذه المنقبة. والغرض من هذا الإلتفات إلفات الأذهان إلى هذه المنقبة تفخيماً لها وتعظيماً لشأنها. وهذا التكليم كان من الله تعالى لسيدنا موسى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [النساء: 164] قوله تعالى:وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [الأعراف: 143] وفي الآية التي بعدها:قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف: 144] فهذه الآيات تدلّ على أن موسى قد خصّ بتكليم لم يكن لكلّ نبي مرسل، وإن كان وحي الله تعالى عاماً لكلّ الرسل، ويطلق عليه كلام الله تعالى قد قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10