الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

قوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ } يدلّ على أنّ بني إسرائيل لم يقتنعوا بما احتجّ به عليهم نبيّهم من استحقاق طالوت الملك، بما اختاره الله وأعدّه له باصطفائه، وإيتائه من سعة العلم وبسطة الجسم ما يمكّنه من القيام بأعبائه، حتّى جعل لذلك آية تدلّهم على العناية به، وهي عود التابوت إليهم، وهذا التابوت المعرّف صندوق له قصّة معروفة في كتب اليهود. ففي أوّل الفصل الخامس والعشرين من سفر الخروج ما نصّه:

" وكلّم الربّ موسى قائلا: كلّم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة. من كلّ من بحثّه قلبه يأخذون تقدمتي، وهذه هي التقدمة التي يأخذونها منهم: ذهب وفضّة ونحاس وأسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى وجلود كباش محمرة وجلود نخس وخشب سنط وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر وحجارة جزع وحجارة ترصيع للرداء والصدرة، فيصنعون لي مقدساً لأسكن في وسطهم بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون فيصنعون تابوتاً من خشب السنط طوله ذراعان ونصف، وعرضه ذراع ونصف، وإرتفاعه ذراع ونصف. وتغشيه بذهب نقي، من داخل وخارج تغشيه، وتصنع عليه إكليلا من ذهب حواليه، وتسبك له أربع حلقات من ذهب وتجعلها على قوائمه الأربع، على جانبه الواحد حلقتان وعلى جانبه الثاني حلقتان، وتصنع عصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب، وتدخل العصوين في الحلقات على جانبي التابوت ليحمل التابوت بهما، تبقى العصوان في حلقة التابوت لا تنزعان منها، وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك، وتصنع غطاء من ذهب نقي طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف. وتصنع كروبين من ذهب صنعة خراطة تضعهما على طرفي الغطاء. فاصنع كروباً واحداً على الطرف من هنا، وكروباً آخر على الطرف من هناك، من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفيه. ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق، مظلّلين بأجنحتهما على الغطاء ووجهاهما كلّ واحد إلى الآخر نحو الغطاء يكون وجها الكروبين. وتجعل الغطاء على التابوت من فوق وفي التابوت تضع الشهادة التي أنا أعطيك " اهـ.

هذا ما ورد في صفة الأمر بصنع ذلك التابوت الديني، وذكر بعده كيفية صنع المائدة الدينية وآنيتها والمسكن والمذبح وخيمة العهد ومنارة السراج والثياب المقدّسة، ثمّ فصّل في الفصل 27 منه كيف كان صنع هذا التابوت والمائدة والمنار ومذبح البخور، وهي غرائب يعدّها عقلاء هذه العصور ألاعيب، والحكمة فيها والله أعلم أنّ بني إسرائيل كانوا - وقد استعبدهم وثنيو المصريين أحقاباً - قد ملكت قلوبهم عظمة تلك الهياكل الوثنية، وما فيها من الزينة والصنعة التي تدهش الناظر، وتشغل الخاطر، فأراد الله تعالى أن يشغل قلوبهم عنها بمحسوسات من جنسها تنسب إليه سبحانه وتعالى وتذكر به، فالتابوت سمّي أولا تابوت الشهادة، أي شهادة الله سبحانه، ثمّ تابوت الربّ وتابوت الله، كذلك أضيف إلى الله تعالى كلّ شيء صنع للعبادة، وهذا ممّا يدلّ على أنّ تلك الديانة ليست دائمة، فلا غرو إذا نسخ الإسلام كلّ هذا الزخرف والصنعة من المساجد التي يعبد فيها الله تعالى، حتّى لا يشتغل المصلّي عن مناجاة الله بشيء منها، وما كلّفه ذلك الشعب - الذي وصفته كتبه المقدّسة بأنّه صلب الرقبة أو كما تقول العرب " عريض القفا " على قرب عهده بالوثنية وإحاطة الشعوب الوثنية به من كلّ جانب - لا يليق بحال البشر في طور إرتقائهم، إذ لا يربّى الرجل العاقل، بمثل ما يربّى به الطفل أو اليافع، وفي سائر فصول سفر الخروج الثلاثة تفصيل لما قدّمه بنو إسرائيل لصنع تلك الدار التي يقدّس فيها الله، ولصنع الخيمة والتابوت وغير ذلك، وغرضنا منها معرفة حقيقة التابوت عندهم فإنّك لتجد في بعض كتب التفسير وكتب القصص عندنا أقوالاً غريبة عنه، منها أنّه نزل مع آدم من الجنّة، ومنشأ تلك الأقوال ما كان ينبذ به الإسرائيليون من القصص بين المسلمين مخادعة لهم، ليكثر الكذب في تفسيرهم للقرآن فيضلّوا به، ويجد رؤساء اليهود مجالا واسعاً للطعن في القرآن يصدّون به قومهم عنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد