الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

لمّا ذكر تعالى من الأحكام ما ذكر في الآيات السابقة، قفّى عليه بذكر بعض أخبار الماضين لأجل العظّة والاعتبار بما تتضمّنه الوقائع والآثار، كما هي سنّة القرآن، في تنويع التذكير والبيان، بل الإنتقال هنا، إنّما هو من الأحكام مسرودة مع بيان حكمتها، والتنبيه لفائدتها، إلى حكم سبقته حكمته، وتقدّمته فائدته، في ضمن واقعة مضت زيادة في البصيرة ومبالغة في الحمل على الاعتبار، وهو حكم القتال في سبيل الله، ويتلوه حكم بذل المال في سبيله. الأحكام السابقة تتعلّق بالأشخاص في أنفسهم وبيوتهم، وهذان الحكمان في أمر عام يتعلّق بالأمم من حيث حفظ وجودها، ودوام استقلالها، بمدافعة المعتدين عنها، وبذل الروح والمال في حفظ مصالحها، وتوفير منافعها، ولذلك كان الأسلوب أشدّ تأثيراً، وأعظم تذكيراً؛ لأنّ الإشارة في سياق التذكير بمنافع الشخص ومصالحه في نفسه، وفيمن يتّصل به، كافية للتذكّر والعمل بما يوعظ به لموافقة ذلك لهواه، فلها من النفس عون لا يغيب، ووازع لا يعصى، وأمّا المصالح العامّة فإنّه لا يفطن لها ولا يرغب فيها إلاّ الأقلّون، فالعناية بالدعوة إليها، يجب أن تكون بمقدار بعد الجماهير عنها، فمن ثمّ جاءت هذه الآيات ببيان أجلى وأسلوب أفعل وأقوى، كما ستعلم تفسيرها عن الأستاذ الإمام، لا عن القصّاصين وأصحاب الأوهام.

رووا في قصّة - الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت - روايات من الإسرائيليات التي ولع بها المفسّرون وكلّفوا بتطبيق كتاب الله تعالى عليها، أشهرها، أبعدها عن السياق، وهي رواية السدي قال: كانت قرية وقع فيها الطاعون، وهرب عامّة أهلها، والذين بقوا مات أكثرهم، وبقي قوم منهم في المرض والبلاء، ثمّ بعد ارتفاع المرض والطاعون، رجع جميع الذين هربوا سالمين، فقال من بقي من المرضى: هؤلاء أحرص منّا، لو صنعنا ما صنعوا لنجونا من الأمراض والآفات، ولئن وقع الطاعون ثانياً لنخرجنّ كما خرجوا، فوقع وهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفاً، فلمّا خرجوا من ذلك الوادي، ناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا. فهلكوا وبليت أجسامهم، فمرّ بهم نبي يقال له حزقيل، فلمّا رآهم وقف عليهم وتفكّر فيهم، فأوحى الله تعالى إليه " أتريد أريك كيف أحييهم؟ " فقال نعم فقيل له ناد: أيّتها العظام إنّ الله يأمرك أن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتّى تمّت العظام، ثمّ أوحى الله تعالى إليه ناد: أيّتها العظام إنّ الله يأمرك أن تكتسي لحماً ودماً، فصارت لحماً ودماً ثمّ ناد: إنّ الله يأمرك أن تقومي، فقامت، فلمّا صاروا أحياءً قاموا وكانوا يقولون سبحانك ربّنا وبحمدك لا إله إلاّ أنت، ثمّ رجعوا إلى قريتهم بعد حياتهم وكانت أمارات أنّهم ماتوا في وجوههم، ثمّ بقوا إلى أن ماتوا بعد ذلك بحسب آجالهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6