الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

لا يزال الكلام في أحكام النساء من حيث هنّ أزواج يمسكن ويسرحن، فيراجعن أو يبتتن، وفي حقوقهنّ حينئذٍ في أولادهنّ، وكلّ هذا قد مرّ تفسيره وقد ذكر في هاتين الآيتين أحكام من يموت بعولتهنّ ماذا يجب عليهنّ من الحداد والاعتداد، ومتى تجوز خطبتهنّ ومتى يتزوّجنّ.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } أي يتوفّاهم الله تعالى، أي يقبض أرواحهم ويميتهم، قال تعالى:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [الزمر: 42] فإذا حذف الفاعل، أسند الفعل إلى المفعول وهذا هو المستعمل الفصيح. { وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } أي يتركون زوجات، والفصيح إستعمال لفظ الزوج في كلّ من الرجل وامرأته، ويجمع في الإستعمال على أزواج، قال تعالى:وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6] والزوج في الأصل العدد المكوّن من إثنين، وقد اعتبر في تسمية كلّ من الرجل وامرأته " زوجاً " إنّ حقيقته من حيث هو زوج مكوّنة من شيئين اتّحدا فصارا شيئاً واحداً، في الباطن، وإن كانا شيئين في الظاهر، ولذلك وضع لهما لفظا واحد ليدلّ على أنّ تعدّد الصورة لا ينافي وحدة المعنى، أُريد أنّ هذا اللفظ المشترك يشعر بأنّ من مقتضى الفطرة أن يتّحد الرجل بامرأته والمرأة ببعلها، بتمازج النفوس ووحدة المصلحة، حتّى يكون كلّ منهما كأنّه عين الآخر.

وقوله تعالى: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } خبر لما قبله، أي يتربصنّ بعد وفاتهم هذه المدّة، وتقدّم الكلام في مثله في تفسير قوله عزّ وجلّ:يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [البقرة: 228] فارجع إليه إن كنت نسيت ما في التعبير من آيات البلاغة، والمعنى: إنّ عدّة النساء اللاتي يموت أزواجهنّ أربعة أشهر وعشر ليال، لا يتعرضنّ فيها للزواج بزينة ولا خروج من المنزل بغير عذر شرعي، ولا يواعدن الرجال بالزواج، وقد يتعارض هذا مع قوله تعالى:وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 4] فهل يقال إنّ ما هنا خاص بغير الحوامل؟ أم ما هنالك خاصّ بالمطلّقات؟ الظاهر الثاني؛ لأنّ الكلام هنالك في الطلاق والسورة سورته فهو خاصّ، والآية التي نحن بصدد تفسيرها عامّة في كلّ من يتوفّى زوجها؛ لأنّ الله تعالى جعل عدّتها طويلة، وفرض عليها الحداد على الزوج مدّة العدّة، مع تحريم السنّة الحداد على غير الزوج أكثر من ثلاثة أيّام اهتماماً بحقوق الزوجية وتعظيماً لشأنها، ولكن الجمهور على القول الأوّل، وأنّ الحامل التي يموت زوجها إذا وضعت تنقضي عدّتها ولو بعد الموت بيوم أو ساعة، واحتجّوا بحديث سبيعة الأسلمية عند أبي داود فإنّها قالت: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنّها حلّت حين وضعت حملها، وكانت ولدت بعد موت زوجها بنصف شهر، ويروى عن علي وابن عبّاس رضي الله عنهما أنها تعتدّ بأقصى الأجلين إحتياطاً، فأي آية كانت عند الله هي المخصّصة للأُخرى كانت عاملة بها، ولا أحفظ عن الأستاذ الإمام جزماً بقول من هذه الأقوال، ولكن الإحتياط الذي قال به الحبران لا ينكره منكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8