الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

هذه الآيات في أحكام الأيمان، وهي عامّة وخاصّة والثاني هو حلف الرجل أن لا يقرب امرأته، وخصّ باسم الإيلاء في عرف الشرع كما سيأتي، فبيّن الآيات وما قبلها وما بعدها تناسب بهذا الاعتبار.

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } العرضة بالضمّ، كالغرفة: لها معان أظهرها هنا إثنان: أحدهما: أن تكون بمعنى المانع المعترض دون الشيء، أي لا تجعلوا الله تعالى مانعاً بينكم وبين عمل الخير بأن تحلفوا به على تركه فتتركوه تعظيماً لاسمه، ويؤيّد هذا المعنى ما رواه ابن جرير في سبب نزول الآية وهو حلف أبي بكر رضي الله عنه على ترك الإنفاق على مسطح بعد أن خاض في قصّة الإفك، وفيه نزلوَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ } [النور: 22] الآية.

ويؤيّده أيضاً أحاديث في الصحيحين وغيرهما منها قوله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه " وقوله صلى الله عليه وسلم: " والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني " وفي حديث عائشة عند ابن ماجه وابن جرير قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه " وفي هذا المعنى أحاديث أخرى. ذلك إنّ الإنسان يسرع إلى لسانه الحلف أنّه لا يفعل كذا وقد يكون خيراً وليفعلنّ كذا وقد يكون شرّاً، والله تعالى لا يرضى بأن يكون اسمه حجاباً دون الخير أو محضاً للشرّ، فنهى عن ذلك وأمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بوجوب تحرّي الخير، والأحسن، وإن حلف على غيره فليكفّر عن يمينه بما هو منصوص في سورة المائدة.

والمعنى الثاني للعرضة: ما يعرض للشيء، أي ما ينصب ليعرض له الشيء كالهدف للسهام، يقال فلان عرضة للناس إذا كانوا يقعون فيه ويعرضون له بالمكروه قال الشاعر:
وإن تتركوا رهط الفدوكس عصبة   يتامى أيامى عرضة للقبائل
ويقال جعلته عرضة لكذا، أي نصبته له فكان معروضاً ومعرضاً له يكثر وروده عليه، وقال الشاعر:
طلقتّهن وما الطلاق بسبة   إنّ النساء لعرضة التطليق
والمعنى على هذا الوجه: لا تكثروا الحلف بالله تعالى، فالذي يجعل الله عرضة لإيمانه، هو كالحلاف في قوله تعالى:وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [القلم: 10] فكثير الحلف حليف المهانة وقرينها، وقد ذكر تعالى في هذه الآيات صفات أخرى ذميمة نهى عن أهلها وبدأها بالحلاف فقال بعد ما تقدّم:هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [القلم: 11-13] فالحلاّف يعدّ في مقدّمة هؤلاء الأشرار، ومن أكثر الحلف، قلّت مهابته، وكثر حنثه، واتّهم بالكذب، ولا يكون الحلاّف إلاّ كذاباً، فهو على إهانته لاسم الله تعالى يفوته ما يريد من قبول قوله وتصديقه، فالآية الكريمة ترشدنا إلى ترك الحلف بالله تعالى، إلاّ عند الحاجة إلى ذلك.

السابقالتالي
2 3 4