الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

هذا هو السؤال الثالث من الأسئلة التي وردت معطوفة بالواو، وهو يتّصل بما قبله وما بعده في أنّ ذلك من الأحكام المتعلّقة بالنساء، وأمّا الأسئلة التي وردت قبلها مفصولة، فلم تكن في موضوع واحد فيعطف بعضها على بعض، فجاءت على الأصل في سرد التعدّد. وقد كانت هذه الأسئلة في المدينة حيث الإختلاط بين العرب واليهود، وهؤلاء يشدّدون في مسائل الحيض والدم كما هو مذكور في الفصل الخامس عشر من سفر اللاويين من الأسفار التي يسمّون جملتها التوراة، ومنها أنّ كلّ من مسّ الحائض في أيّام طمثها يكون نجساً، وكلّ من مسّ فراشها يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً إلى المساء، وكلّ من مسّ متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحمّ بماء ويكون نجساً إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجساً سبعة أيّام، وكل فراش يضطجع عليه يكون نجساً إلخ. وللرجل الذي يسيل منه دم نحو هذه الأحكام عندهم.

وأمّا النصارى فقد نقل عنهم أنّهم كانوا يتساهلون في أمر المحيض، وكانوا مخالطين للعرب في مواطن كثيرة، وروي أنّ أهل الجاهلية كانوا لا يساكنون الحيّض ولا يؤاكلوهنّ كفعل اليهود والمجوس، ومن شأن الناس التساهل في أمور الدين التي تتعلّق بالحظوظ والشهوات، فلا يقفون عند الحدود المشروعة فيها لمنفعتهم ومصلحتهم، فكان اختلاف ما عرف المسلمون عن أهل الكتاب ممّا يحرّك النفس للسؤال عن حكم المحيض في هذه الشريعة المصلحة، فسألوا كما في حديث أنس الآتي قريباً، فأنزل الله تعالى على نبيّه:

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } أي عن حكمه، والمحيض: هو الحيض المعروف، وهو الدم الذي يخرج من الرحم على وصف مخصوص في زمن معلوم، لوظيفة حيوية صحّية تعد الرحم للحمل بعده إذا حصل التلقيح المقصود من الزوجية لبقاء النوع. فالمحيض، كالحيض مصدر كالمجيء والمبيت، ويطلق على زمان الحيض ومكانه، والمرأة حائض بدون تاء؛ لأنّه وصف خاصّ وجمعه حيض بتشديد الياء (كراكع وركع) وورد حائضة وجمعه حائضات، ولا حاجة إلى تقرير محلّ المحيض، فإنّما يسأل الشارع عن الأحكام. { قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } قدم العلّة على الحكم، ورتّبه عليها، ليؤخذ بالقبول من المتساهلين الذين يرون الحجر عليهم تحكّماً، ويعلم أنّه حكم للمصلحة لا للتعبّد كما عليه اليهود، والمراد من النهي عن القرب النهي عن لازمه الذي يقصد منه، وهو الوقاع، والمعنى أنّه يجب على الرجال ترك غشيان نسائهم زمن المحيض؛ لأنّ غشيانهنّ سبب للأذى والضرر، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم منه المرأة؛ لأنّ الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدّة له، ولا قادرة عليه، لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى، وهي إفراز الدم المعروف.

السابقالتالي
2 3 4 5