الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

الآيات في سرد الأحكام كما تقدّم فلا حاجة لربط كلّ آية بما قبلها، والربط ظاهر على القول بأنّ المراد بالمخالطة في الآية السابقة نكاح اليتامى. أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن مقاتل قال نزلت هذه الآية في ابن أبي مرثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في " عناق " أن يتزوّجها وهي مشركة وكانت ذات حظّ من جمال فنزلت: يعني { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } ذكر ذلك السيوطي في أسباب النزول، ثمّ قال وقوله تعالى: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } الآية أخرج الواحدي من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عبّاس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء وأنّه غضب عليها فلطمها، ثمّ إنّه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقال: لأعتقنّها ولأتزوجنّها. ففعل فطعن عليه ناس وقالوا ينكح أمة فأنزل الله هذه الآية، وأخرجه ابن جرير عن السدي منقطعاً.

وظاهره إنّ قوله تعالى: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } إلى { أَعْجَبَتْكُمْ } آية مستقلة نزلت في حادثة غير الحادثة التي نزل فيها قوله تعالى: { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } وهذا الظاهر من صنيعه خفي في نفسه، بل هو باطل البتة، ولا شكّ أنّ الآية واحدة نزلت مرّة واحدة عند حاجة الناس إلى بيان أحكامها، ولا مانع أن يكون ذلك بعد حدوث ما روي عن أبي مرثد وعن عبد الله بن رواحة.

وفي روح المعاني ما نصّه: روى الواحدي وغيره عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من غنى يقال له مرثد بن أبي مرثد - حليفاً لبني هاشم - إلى مكّة ليخرج أناساً من المسلمين بها أسرى، فلمّا قدمها سمعت به امرأة يقال لها عناق، وكانت خليلة له في الجاهلية فلمّا أسلم أعرض عنها فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا نخلو؟ فقال لها: إنّ الإسلام قد حال بيني وبينك وحرّمه علينا، ولكن إن شئت تزوّجتك، فقالت: نعم، فقال إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنته في ذلك ثمّ تزوّجتك، فقالت له: أبي تتبرّم؟ ثمّ استعانت عليه فضربوه ضرباً وجيعاً ثمّ خلّوا سبيله، فلمّا قضى حاجته بمكّة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي بسببها، فقال يا رسول الله أيحلّ لي أن أتزوّجها؟ وفي رواية إنّها تعجبني فنزلت وتعقّب ذلك السيوطي بأنّ هذا ليس سبباً لنزول هذه الآية، وإنّما هو سبب في نزول آية النورٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } [النور: 3] وروى السدي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّ هذه نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنّه غضب عليها فلطمها ثمّ إنّه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما هي يا عبد الله؟ " قال هي يا رسول الله تصوم وتصلّي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسوله، فقال: " يا عبد الله هي مؤمنة " قال عبد الله: فوالذي بعثك بالحقّ لأعتقنها ولأتزوجنّها، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين، فقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبةً في أنسابهم، فأنزل الله { وَلاَ تَنْكِحُواْ } الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9