الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قال السيوطي في أسباب النزول: روى أحمد من حديث أبي هريرة قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } الآية فقال الناس: ما حرّم علينا إنّما قال إثم كبير، وكانوا يشربون الخمر حتّى كان يوم من الأيّام صلّى رجل من المهاجرين أمَّ أصحابه في المغرب، فخلط في قراءته فأنزل الله آية أغلظ منهايَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [النساء: 43] الآية، ثمّ نزلت آية أغلظ من ذلكيَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [المائدة: 90] - إلى قوله -:فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] قالوا: انتهينا ربّنا. وقال الجلال في تفسير آية البقرة إنّها لما نزلت، شربها قوم وامتنع آخرون، حتّى نزلت آية المائدة. وهو مخالف للإطلاق الذي نقلناه آنفاً عن كتاب أسباب النزول له. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وصحّحه والنسائي وغيرهم عن عمر إنّه قال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فإنّها تذهب بالمال والعقل. فنزلت هذه الآية فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في قوله تعالىيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [النساء: 43] فكان ينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة: " أن لا يقربن الصلاة سكران " فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلمّا بلغ " فهل أنتم منتهون " قال عمر: إنتهينا إنتهينا. ولا يتوقّف فهم معنى الآيات على شيء من هذه الروايات. ويظهر من مجموعها أنّ القطع بتحريم الخمر والنهي عنها كان بعد تمهيد بالذمّ والنهي عن السكر في حال قرب الصلاة وأوقات الصلوات متقاربة فمن ينهى عن قرب الصلاة وهو سكران فلا بدّ أن يتجنّب السكر في أكثر الأوقات، لئلاّ تحضره الصلاة وهو سكران وهو الذي تدلّ عليه الجملة الحالية { وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } التي قيّد بها النهي كما سنبيّنه في تفسير الآية من سورة النساء، وفي هذا من الحكمة في التدرج بالتكليف ما لا يخفى، قال القفّال: والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب؛ أنّ الله تعالى علم أنّ القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر، وكان إنتفاعهم بها كثيراً، فعلم الله إنّه لو منعهم دفعةً واحدة لشقّ عليهم، فلا جرم أن استعمل في التحريم هذا التدريج وهذا الرفق. والذي كان يتبادر لولا الروايات: إنّ آية سورة النساء هي التي نزلت أوّلا فكانوا يمتنعون عن الشرب في أكثر الأوقات لئلاّ تفوتهم الصلاة، وأمّا آية المائدة فلا شكّ أنّها آخر ما نزل؛ لأنّها أكّدت النهي، وبيّنت علّة التحريم بالتعيين، على إنّ السورة برمّتها من آخر السور نزولاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد