الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

قلنا في تفسير قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [البقرة: 172] إلخ: إنّ ما تقدّم من أوّل السورة إلى تلك الآية كان في القرآن والرسالة، وإنّ تلك الآية وما بعدها إلى قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ } [البقرة: 243] في سرد الأحكام العملية، ثمّ أشرنا إلى هذا بعد ذلك وقلنا: إنّه لا حاجة إلى التناسب بين كلّ آية وما يتّصل بها، ويظهر هذا أتمّ الظهور إذا كانت الأحكام المسرودة أجوبة لأسئلة وردت، أو كان من شأنها أن ترد للحاجة إلى معرفة حكمها كهذه الآية، على أنّ ما تقدّم من بيان التحام آيات القرآن والتئامها غريب، حتّى في سرد الأحكام التي يظهر بادي الرأي أن لا تناسب بينها. فقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } الخ متّصل بما قبله في المغزى، فإنّ الآيات السابقة دلّت على أنّ حبّ الناس لزينة الحياة الدنيا، هو الذي أغراهم بالشقاق والخلاف، وأنّ أهل الحقّ والدين هم الذين يتحمّلون البأساء والضرّاء في سبيل الله وابتغاء مرضاته، ومنها ما يصيبهم في أنفسهم وأموالهم، وذلك ممّا يرغّب الإنسان في الإنفاق في سبيل الله، وبذل المال كبذل النفس، كلاهما من آيات الإيمان، فكأنّ السامع لمّا تقدّم تتوجّه نفسه إلى البذل فيسأل عن طريقه، فجاء بعده السؤال مقروناً بالجواب.

وقد ورد في أسباب النزول أنّ السؤال وقع بالفعل. أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم فنزلت الآية، وأخرج ابن المنذر عن أبي حيّان: أنّ عمرو بن الجموح سأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت. قال بعض المفسّرين إنّ هذا من رواية أبي صالح عن ابن عبّاس، وقال غيره إنّها من رواية الكلبي عنه، وهي واحدة. قالوا: إنّها أوهى الروايات عنه. وعن عطاء عنه أنّها نزلت في: " رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ لي ديناراً، فقال: " أنفقه على نفسك " قال: إنّ لي دينارين، قال: " أنفقهما على أهلك " قال: إنّ لي ثلاثة، قال: " أنفقها على خادمك " قال إنّ لي أربعة، قال: " أنفقها على والديك " قال: إنّ لي خمسة، قال: " أنفقها على قرابتك " قال: إنّ لي ستّة، قال: " أنفقها في سبيل الله تعالى " هكذا أورد الحديث بعض المفسّرين، وهو عند أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة بسياق آخر، وهو " إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تصدّقوا " فقال رجل: عندي دينار، قال: " تصدّق به على نفسك " قال: عندي دينار آخر، قال: " تصدّق به على زوجك " قال: عندي دينار آخر، قال: " تصدّق به على ولدك " قال عندي دينار آخر، قال: " تصدّق به على خادمك " قال: عندي دينار آخر، قال: " أنت أبصر به "

السابقالتالي
2 3