الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

يقول المؤلّف محمّد رشيد رضا كتب تفسير هذه الآية الأستاذ الإمام بإقتراح منّي، وأنا الذي وضعت الأرقام للسور والآيات في شواهد ما كتبه وهذا نصّه:

تطلق الأمّة في كتاب الله تعالى بمعنى الملّة، أي العقائد وأصول الشريعة، كما في قوله تعالى:إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 92] بعد ما ذكر من شأن جماعة الأنبياء صلوات الله عليهم وكما قال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } [المؤمنون: 51-52].

رجّح كثير من المفسّرين أنّ المراد من الأمّة في الآيتين الملّة، أي العقائد وأصول الشرائع، أي أنّ جميع الأنبياء ورسل الله على ملّة واحدة ودين واحد كما قال:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19] وقال كثير منهم: إنّ الأمّة في هذه الآية بمعنى الجماعة كما هي في قوله تعالى:وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 181] أي جماعة، وكما في قوله:وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [آل عمران: 104] ولا تكون بمعنى الجماعة مطلقاً، وإنّما هي بمعنى الجماعة الذين تربطهم رابطة إجتماع يعتبرون بها واحداً، وتسوّغ أن يطلق عليهم اسم واحد كاسم الأمّة، وتكون بمعنى السنين، كما في قوله تعالى:وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } [هود: 8] وفي قوله:وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [يوسف: 45] وبمعنى الإمام الذي يقتدي به كما في قوله:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ } [النحل: 120] وبمعنى إحدى الأمم المعروفة كما في قوله:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110] وهذا المعنى الأخير لا يخرج عن معنى الجماعة على ما ذكرنا، وإنّما خصّصه العرف تخصيصاً.

وقد حمل جمهور من المفسّرين لفظ الأمّة في هذه الآية على الملّة، ثم اختلفوا فيم كانت الملّة، فقال جمهورهم إنّها ملّة الهدى والدين القويم، فيكون معنى الآية في رأيهم { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً } أي ملّة { وَٰحِدَةً } قيّمة الدين، صحيحة العقائد، جارية في أعمالها على أحكام الشرائع { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } ولمّا وجدوا إنّ المعنى لا يكون قويماً؛ لأنّه لا معنى لإرسال الرسل إلى الأمم الصالحة المهتدية ليحكموا بينهم فيما يختلفون فيه، إذ لا يتأتّى الاختلاف الذي يحتاج في رفعه إلى رسالة الرسل مع استقامة العمل والوقوف عند حدود الشرائع، قالوا: لا بدّ من تقدير في العبارة، فيكون الكلام كان الناس أمّة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين، والقرينة على هذه القضيّة المقدّرة قوله فيما بعد: " ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " وأنت ترى إنّ هذا بمنزلة أن تقول كان زيد عالماً فبعثت إليه من يعلمه ما كان نسيه من معلوماته، أو كان عاملا فأرسلت إليه من يعظه في العود إلى ما ترك من عمله، وتقول إنّ كلامي على تقدير كان عالماً فنسي، أو كان عاملا فترك العمل فبعثت إليه أو أرسلت إليه إلخ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد