الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

{ الۤـمۤ } هو وأمثاله أسماء للسور المبتدأة به، ولا يضرّ وضع الاسم الواحد كـ (الم) لعدّة سور؛ لأنّه من المشترك الذي يعيّن معناه اتّصاله بمسمّاه. وحكمة التسمية والإختلاف في (ألم) و (ألمص) نفوّض الأمر فيها إلى المسمّى سبحانه وتعالى. [ويسعنا في ذلك ما وسع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم، وليس من الدين في شيء أن يتنطَّع متنطِّع فيخترع ما يشاء من العلل، التي قلّما يسلم مخترعها من الزلل].

هذا ملخّص ما قاله شيخنا الأستاذ الإمام. وأقول الآن: أوّلاً: إنّ هذه الحروف تقرأ مقطّعة بذكر أسمائها لا مسمّياتها، فنقول: ألف، لام، ميم؛ ساكنة الأواخر لأنّها غير داخلة في تركيب الكلام فتعرب بالحركات. ثانياً: إنّ عدم إعرابها يرجّح أنّ حكمة افتتاح بعض السور المخصوصة بها؛ للتنبيه لما يأتي بعدها مباشرة من وصف القرآن، والإشارة إلى إعجازه؛ لأنّ المكّيّ منها كان يتلى على المشركين للدعوة إلى الإسلام، ومثل هذه السورة وما بعدها لدعوة أهل الكتاب إليه وإقامة الحجج عليهم به، وسيأتي توضيح ذلك بالتفصيل في تفسير أوّل سورة { ألمص - الأعراف }. ثالثاً: اقتصر على جعل حكمتها الإشارة إلى إعجاز القرآن بعض المحقّقين من علماء اللغة وفنونها، كالفرّاء وقطرب والمبرّد والزمخشريّ، وبعض علماء الحديث، كشيخ الإسلام أحمد تقيّ الدين ابن تيميّة، والحافظ المزّي. وأطال الزمخشريّ في بيانه وتوجيهه بما يراجع في " كشّافه " ، وفي " تفسير البيضاويّ " وغيره. رابعاً: إنّ أضعف ما قيل في هذه الحروف وأسخفه: إنّ المراد بها الإشارة بأعدادها في حساب الجمل إلى مدّة هذه الأمّة، أو ما يشابه ذلك. وروى ابن إسحاق حديثاً في ذلك عن بعض اليهود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف من رواية الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس عن جابر بن عبد الله. خامساً: يقرب من هذا ما عنى به بعض الشيعة من حذف المكرّر من هذه الحروف، وصياغة جمل ممّا بقي منها في مدح علي المرتضى (كرم الله وجهه)، أو تفضيله وترجيح خلافته. وقوبلوا بجمل أُخرى مثلها تنقض ذلك كما وضّحناه في مقالاتنا (المصلح والمقلّد). سادساً: إنّه لا يزال يوجد في الناس - حتّى علماء التاريخ واللغات منهم - من يرى أنّ في هذه الحروف رموزاً إلى بعض الحقائق الدينيّة والتاريخيّة ستظهره الأيّام.

{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } الكتاب: بمعنى المكتوب، وهو اسم جنس لما يكتب، والمراد بالكتاب: هذه الرقوم والنقوش ذات المعاني. والإشارة تفيد التعيين الشخصيّ أو النوعيّ. وليس المراد هنا نوعاً من أنواع الكتب، بل المراد كتاب معروف معهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم بوصفه. وذلك العهد مبنيّ على صدق الوعد من الله بأنّه يؤيّده بكتاب [تامّ كامل كافل لطلاب الحقّ بالهداية والإرشاد، في جميع شؤون المعاش والمعاد] فأشار بذلك إليه.

السابقالتالي
2 3 4