الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }

وردت هذه الآيات في الإذن بالقتال للمحرمين في الأشهر الحرم، إذا فوجئوا بالقتال بغياً وعدواناً، فهي متّصلة بما قبلها أتمّ الإتّصال؛ لأنّ الآية السابقة بيّنت إنّ الأهلّة مواقيت للناس في عباداتهم ومعاملاتهم عامّة وفي الحجّ خاصّة. وهو في أشهر هلالية مخصوصة كان القتال فيها محرّماً في الجاهلية. وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس: إن هذه الآية نزلت في صلح الحديبية، وذلك إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صُدّ عن البيت ثمّ صالحه المشركون فرضي على أن يرجع عامه القابل ويخلوا له مكّة ثلاثة أيّام يطوف ويفعل ما يشاء، فلمّا كان العام القابل، تجهّز هو وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش وأن يصدّوهم عن المسجد الحرام بالقوّة ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الحرم والشهر الحرام، فأنزل الله تعالى: { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } يقول أيّها المؤمنون الذين تخافون أن يمنعكم مشركو مكّة عن زيارة بيت الله والإعتمار فيه نكثاً منهم للعهد وفتنة لكم في الدين، وتكرهون أن تدافعوا عن أنفسكم بقتالهم في الإحرام والشهر الحرام، إنّني أذنت لكم في القتال على إنّه دفاع في سبيل الله للتمكّن من عبادته في بيته، وتربية لمن يفتنكم عن دينكم وينكث عهدكم، لا لحظوظ النفس وأهوائها، والضراوة بحبّ التسافك، فقاتلوا في هذه السبيل الشريفة من يقاتلكم { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } بالقتال فتبدأوهم، ولا في القتل فتقتلوا من لا يقاتل كالنساء والصبيان والشيوخ والمرضى أو من ألقى إليكم السلم وكفّ عن حربكم، ولا بغير ذلك من أنواع الإعتداء كالتخريب وقطع الأشجار، وقد قالوا إنّ الفعل المنفي يفيد العموم.

علّل الإذن بأنّه مدافعة في سبيل الله، وسيأتي تفصيله في الآية التالية، وعلّل النهي بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي إنّ الإعتداء من السيّئات المكروهة عند الله تعالى لذاتها، فكيف إذا كان في حال الإحرام، وفي أرض الحرم والشهر الحرام؟ ثمّ قال:

{ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم } أي إذا نشب القتال فاقتلوهم أينما أدركتموهم وصادفتموهم، ولا يصدنكم عنهم أنكم في أرض الحرم إلاّ ما يستثنى في الآية بشرطه. { وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكّة، فقد كان المشركون أخرجوا النبي وأصحابه المهاجرين منها بما كانوا يفتنونهم في دينهم، ثمّ صدّوهم عن دخولها لأجل العبادة، فرضي النبي والمؤمنون على شرط أن يسمحوا لهم في العام القابل بدخولها لأجل النسك والإقامة فيها ثلاثة أيّام كما تقدّم، فلم يكن من المشركين إلاّ أن نقضوا العهد، أليس من رحمة الله تعالى بعباده أن يقوّي هؤلاء المؤمنين ويأذن لهم بأن يعودوا إلى وطنهم ناسكين مسالمين، وأن يقاوموا من يصدهم عنه من أولئك المشركين الخائنين؟ وهل يصحّ أن يقال فيهم إنّهم أقاموا دينهم بالسيف والقوّة، دون الإرشاد والدعوة؟ كلاّ لا يقول هذا إلاّ غرّ جاهل، أو عدو متجاهل.

السابقالتالي
2 3