الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

بعد هذا عاد إلى سرد بقيّة أحكام الصيام فقال: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } روي في سبب نزول هذه الآية: إنّ الصحابة كانوا إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويتغشّون النساء إلى وقت النوم، فإذا نام أحدهم ثمّ استيقظ من الليل صام ولو كان في أوّل الليل. وروي إنّ أهل الكتاب كانوا يصومون كذلك وأنّ الصحابة فهموا من قوله تعالى:كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة: 183] أنّ التشبيه يتناول كيفية الصوم فوقع لبعضهم أن وقع على امرأته في الليل بعد النوم فشكا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ولبعضهم أن نام قبل أن يفطر، ثمّ استيقظ فواصل الصوم إلى اليوم الثاني وكان عاملا، فأضواه الجوع حتّى غشي عليه، فذكر خبره للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت، قال بعض المفسّرين هذه الآية ناسخة لقوله:كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة: 183] وقال بعضهم لا نسخ هنا فإنّ التشبيه ليس من كلّ وجه، وإنّما هو في الفرضية لا في الكيفية.

وهذه الآية متّصلة بما قبلها، متمّمة لأحكام الصوم، مبيّنة لما امتاز به صومنا من الرخصة التي لم تكن لمن قبلنا، وهذا ما اختاره الأستاذ الإمام وقال: إذا صحّ ما ورد في سبب النزول، فهو يدلّ على إنّه عندما فرض الصيام كان كلّ إنسان يذهب في فهمه مذهباً كما يؤدّيه إليه إجتهاده ويراه أحوط وأقرب إلى التقوى. ولذلك قالوا فيما رووه من إتيان عمر أهله بعد النوم إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر ".

أقول: أمّا الرواية الأولى فعند أحمد وأبي داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثمّ إنّ رجلا من الأنصار يقال قيس بن صرمة (بكسر الصاد) صلّى العشاء ثمّ نام فلم يأكل ولم يشرب حتّى أصبح فأصبح مجهوداً وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فأنزل الله { أُحِلَّ لَكُمْ } إلى قوله: { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } قال في لباب النقول: هذا الحديث مشهور عن ابن أبي ليلى، لكنّه لم يسمع من معاذ وله شواهد، وذكر حديث قيس بن صرمة عن البرّاء عند البخاري - وأخرجه أبو داود أيضاً في الصوم والترمذي في التفسير - وقول البرّاء عند البخاري: لمّا نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كلّه فكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 187] الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد