الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

الكلام في سرد الأحكام، فلا حاجة إلى التناسب بين كلّ حكم وما يليه، والصيام في اللغة: الإمساك والكفّ عن الشيء، وفي الشرع: الإمساك عن الأكل والشرب وغشيان النساء من الفجر إلى المغرب إحتساباً لله، وإعداداً للنفس وتهيئة لها لتقوى الله بالمراقبة له وتربية الإرادة على ترك كبح جماح الشهوات، ليقوى صاحبها على ترك المضارّ والمحرّمات، وقد كتب على أهل الملل السابقة فكان ركناً من كلّ دين؛ لأنّه من أقوى العبادات وأعظم ذرائع التهذيب، وفي إعلام الله تعالى لنا بأنّه فرضه علينا كما فرضه على الذين من قبلنا، إشعار بوحدة الدين أصوله ومقصده، وتأكيد لأمر هذه الفرضية وترغيب فيها. قال الأستاذ الإمام: أبهم الله هؤلاء الذين من قبلنا، والمعروف إنّ الصوم مشروع في جميع الملل حتّى الوثنية فهو معروف عن قدماء المصريين في أيّام وثنيّتهم، وانتقل منهم إلى اليونان، فكانوا يفرضونه لا سيّما على النساء، وكذلك الرومانيون كانوا يعنون بالصيام، ولا يزال وثنيو الهند وغيرهم يصومون إلى الآن، وليس في أسفار التوراة التي بين أيدينا ما يدلّ على فرضية الصيام، وإنّما فيها مدحه ومدح الصائمين، وثبت إنّ موسى عليه السلام صام أربعين يوماً، وهو يدلّ على إنّ الصوم كان معروفاً مشروعاً ومعدّداً من العبادات، واليهود في هذه الأزمنة يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب أورشليم وأخذها، ويصومون يوماً من شهر آب. أقول: وينقل أنّ التوراة فرضت عليهم صوم اليوم العاشر من الشهر السابع، وأنّهم يصومونه بليلته ولعلّهم كانوا يسمّونه عاشوراء، ولهم أيّام أخر يصومونها نهاراً.

وأمّا النصارى فليس في أناجيلهم المعروفة نصّ في فريضة الصوم، وإنّما فيها ذكره ومدحه. واعتباره عبادة كالنهي عن الرياء وإظهار الكآبة فيه، بل تأمر الصائم بدهن الرأس وغسل الوجه، حتّى لا تظهر عليه أمارة الصيام فيكون مرائياً كالفرّيسيين، وأشهر صومهم وأقدمه الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، وهو الذي صامه موسى وكان يصومه عيسى عليهما السلام، والحواريون رضي الله عنهم، ثمّ وضع رؤساء الكنيسة ضروباً أخرى من الصيام وفيها خلاف بين المذاهب والطوائف، ومنها صوم عن اللحم وصوم عن السمك وصوم عن البيض واللبن، وكان الصوم المشروع عند الأوّلين منهم كصوم اليهود يأكلون في اليوم والليلة مرّة واحدة فغيّروه وصاروا يصومون من نصف الليل إلى نصف النهار، ولا نطيل في تفصيل صيامهم، بل نكتفي بهذا في فهم قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي فرض عليكم كما فرض على المؤمنين من أهل الملل قبلكم، فهو تشبيه الفرضية بالفرضية، ولا تدخل فيه صفته ولا عدة أيّامه، وفي قصّتي زكريا ومريم (عليهما السلام) أنّهم كانوا يصومون عن الكلام، أي مع الصيام عن شهوات الزوجية والشراب والطعام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد