الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

علم ممّا تقدّم أن مسألة تحويل القبلة جاءت في معرض الكلام عن معاندة المشركين وأهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان التحويل شبهة من شبهاتهم، وتقدّم أنّ من لوازم حكم تحويل القبلة إلى البيت الحرام، توجيه قلوب المؤمنين إلى الاستيلاء عليه - كما يوجّهون إليه وجوههم - لأجل تطهيره من الشرك والآثام، كما عهد الله إلى أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإلاّ كانوا راضين باستقبال الأصنام، وإنّ في طي { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } بشارة بهذا الاستيلاء، مفيدة للأمل والرجا. وقد علّم الله المؤمنين بعد هذه البشارة ما يستعينون به على الوصول إليها هي وسائر مقاصد الدين من الصبر والصلاة، وأشعرهم بما يلاقون في سبيل الحقّ من المصائب والشدائد، فكان من المناسب بعد هذا أن يذكر شيئاً يؤكّد تلك البشارة ويقوّي ذلك الأمل، فذكر شعيرة من شعائر الحجّ هي السعي بين الصفا والمروة، فكان ذكرها تصريحاً ضمنيّاً بأن سيأخذون مكّة ويقيمون مناسك إبراهيم فيها، وتتمّ بذلك لهم النعمة والهداية، وهو قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } فهذه الآية ليست منقطعة عن السياق السابق لإفادة حكم جديد لا علاقة له بما قبله كما توهّم، بل هي من تتمّة الموضوع ومرتبطة به أشدّ الإرتباط، من حيث هي تأكيد للبشارة، ومن حيث أنّ الحكم الذي فيها من مناسك الحجّ التي كان عليها إبراهيم، الذي أحيا النبي صلى الله عليه وسلم ملّته وجعلت الصلاة إلى قبلته. كأنّه قال: لا تلويّنكم قوّة المشركين في مكّة، وكثرة الأصنام على الكعبة، والصفا والمروة، عن القصد إلى تطهير البيت الحرام، وإحياء تلك الشعائر العظام، كما لا يلويّنكم عن استقبال البيت تقوّل أهل الكتاب والمشركين، ولا زلزال مرضى القلوب من المنافقين، بل ثقوا بوعد الله واستعينوا بالصبر والصلاة.

الصفا والمروة: جبلان، أو علما جبلين بمكّة، والمسافة بينهما 760 ذراعاً ونصف، والصفا تجاه البيت الحرام، وقد علتهما المباني وصار ما بينهما سوقاً. والشعيرة والشعار والشعارة: تطلق على المكان أو الشيء الذي يشعر بأمر له شأن، وأُطلق على معالم الحجّ ومواضع النسك، وتسمّى مشاعر " جمع مشعر " وعلى العمل الإجتماعي المخصوص الذي هو عبادة ونسك، ففي آية أخرىلاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } [المائدة: 2] وهي مناسك الحجّ ومعالمه. ومنه إشعار الهدي وهو جرح ما يهدى إلى الحرم من الإبل في صفحة سنامه ليعلم إنّه نسك، ويشعر البقر أيضاً دون الغنم. ومن شواهده في اللغة، شعار الحرب، وهو ما يتعارف به الجيش. قال شيخنا: ورمى رجل جمرة فأصابت جبهة عمر رضي الله عنه فقال رجل: شعرت جبهة أمير المؤمنين يريد جرحت.

السابقالتالي
2 3 4 5