الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قلنا إن السياق قد انتقل من الكلام في بني إسرائيل تجاه القرآن ودعوة الإسلام ورسوله إلى الكلام في شؤون المؤمنين معهم، ومع النصارى والوثنيّين. وشيخنا لا يزال يجعل السياق واحداً غير ملتفت في التناسب بين الآيات إلى هذا التفصيل لذلك المجمل، وقد قال هنا ما مثاله:

الكلام لا يزال في القرآن، وما كان من أمر الناس في الإيمان به وعدم الإيمان، ذكر في الآيات المتقدّمة آنفاً من شأن أهل الكتاب ما تبيّن به أنّ عدم إيمانهم بالنبيّ وما جاء به غير قادح فيه، ولا ينهض شبهة عليه، وأنّ مطاعنهم فيه متهافتة منقوضة بطعنهم في أنفسهم، وتخبطهم في أمر كتبهم، ثم انتقل إلى ذكر شبهة مشركي العرب وبيّن أنّهم جروا فيها على الأصل المعهود من أمثالهم المشركين، الذين سبقوهم بالضلال فقال: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي الجاهلون بالكتاب والشرائع من مشركي العرب. وقال (الجلال): إن المراد بالذين لا يعلمون كفّار مكّة خاصّة، ولا دليل على التخصيص، ويرجّح العموم كون الآية مدنيّة { لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ } كما كلّم هذا الرسول مع أنّه بشر مثلنا { أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ } من الآيات التي اقترحناها، يعنون ما حكاه الله تعالى عنهم بمثل قوله:وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90] الآيات { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ } أي مثل هذا القول، قال الكفار الذين أرسل الله إليهم الرسل من قبلهم في معناه، وهو أنّهم أنكروا على الرسل الإختصاص بالوحي من دونهم، وأقترحوا عليهم الآيات تعنّتاً وعناداً { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } لأن الطغيان قد ساوى بينهم حتى كأنّهم تواصوا بما يقولون، كما قال في سورة الذاريات:أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات: 53]. ويشبه هذا ما ورد من أنّ الكفر ملّة واحدة، وذلك أن الحق واحد ومخالفته هي الباطل أو الضلال وهو واحد، وإن تعدّدت طرقه واختلفت وجوهه. وآثار الشيء الواحد الكلي تتشابه فيمن تصدر عنهم، وإن اختلفت الجزئيات، والتشابه هنا إنّما هو في مكابرة الحق، واستبعاد كون واحد من البشر رسولا يوحى إليه، وإقتراح الآيات تعنّتاً وعناداً.

ومثال الأخلاف في الجزئيات: طلب قوم موسى رؤية الله جهرة، وطلب قوم محمّد أن يرقى في السماء أمامهم فيأتيهم بكتاب يقرأونه. والطلب الذي مصدره العناد والتعنّت لا تفيد إجابته؛ لأن صاحبه لا يقصد به معرفة الحق، ولذلك قال تعالى:وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [الأنعام: 7] والدليل المعقول على هذا: إنّه ما من نبيّ إلاّ وقد جاء بآية أو آيات كونيّة أو عقليّة، وكانوا مع ذلك يصفونهم بالسحر، ثم يقترحون عليهم الآيات، ولذلك قال تعالى بعد حكاية شبهة هؤلاء الجاهلين: { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي أننا لم ندعك يا محمّد بغير آية، بل بيّنا الآيات على يديك بياناً لا يدع للريب طريقاً إلى نفس مَنْ يعقلها.

السابقالتالي
2 3 4 5