الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } تقدّم معناه في تفسير الآية 41 والآية 89 وقوله: { نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } بيان لحال جديدة من أحوال أهل الكتاب يصحّ أن تكون علّة لجميع ما صدر عنهم من الشناعات في معاداة النبيّ عليه السلام ومجاحدته، وهي أن فريقاً منهم قد نبذوا كتاب الله الذي يفاخرون به ويحتجّون بأنّهم اكتفوا بالهداية به، بأنّه لا حاجة لهم بسواه، نبذوه أن جاءهم رسول مصدّق له بحاله وصفاته - لأن البشارات التي فيه بالنبي الذي يجيء من آل إسماعيل لا تنطبق إلاّ على هذا الرسول - ومصدّق له بمقاله بإعترافه بنبوّة موسى عليه السلام وصدقه فيما جاء به من الهدى والشريعة، وتوبيخه اليهود على تحريف بعضها ونسيان بعض وترك العمل بما بقي لهم منها.

قال الأستاذ الإمام: ليس المراد بنبذ الكتاب وراء ظهورهم أنّهم طرحوه برمّته، وتركوا التصديق به في جملته وتفصيله، وإنّما المراد أنّهم طرحوا جزءاً منه وهو ما يبشّر بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ويبيّن صفاته ويأمرهم بالإيمان به وإتباعه، أي فهو تشبيه لتركهم إيّاه وإنكاره بمَنْ يلقي الشيء وراء ظهره حتى لا يراه فيتذكره.

وترك الجزء منه، كتركه كلّه؛ لأن ترك البعض يذهب بحرمة الوحي من النفس ويجرّئ على ترك الباقيمِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } [المائدة: 32]. قال: ولا فرق في هذا الحكم بين اليهود والنصارى، فكلّ منهما مبشّر بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في كتابه، وكلّ منهما قد نبذ الكتاب فلم يعمل به. ولم يضر النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا الجحود من الفريق الجاحد؛ لأن دعوته قد قبلها الآخرون واهتدى بها مَنْ لا يحصى من الأمّتين ومن سائر الأمم، وإنّما يضر الجاحدين لأنّهم تركوا كتابهم الذي يزعمون أنّه المنجي والمخلّص لهم وحُرموا من هداية خاتم النبيّين، التي هي أكمل هداية أنعم الله بها على العالمين.

قال تعالى بعد ما ذكر نبذهم الكتاب: { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي نبذوه نبذ مَنْ لا يعلم أنّه كتاب الله، يريد أنّهم بالغوا في تركه وإهماله، ومَنْ ترك شيئاً من أمر الله وهو يعلم أنّه أمره، ولكن طاف به طائف من الشيطان فغلب على أمره فإنّه لا يلبث أن يعود، ولكن هذا الفريق النابذ لكتاب الله تعالى من حيث هو مبشّر بالنبيّ وآمر باتباعه، يتمادى بهم الزمان ولا يتوبون ولا يرجعون، وما أحسن التعبير عن ذلك بنفي الحال والإستقبال دون نفي الماضي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10