الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

آيات تحقيق زوجها في القضية:

هذه الآيات الأربع في تحقيق القضية وعلم زوجها به براءة يوسف وثبوت خطيئتها وبدئ ببيان جوابه الصريح المنتظر بعد اتهامها إياه بالتلميح وهو:

{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } [يوسف: 26] فامتنعت وفررت كما ترى. فصارت النازلة أو القضية باختلاف قوليهما موضوع بحث وتحقيق وتشاور بين زوجها وأهلها لم يبين لنا التنزيل تفصيله لأن المقصود من القصة فيه بيان نزاهة يوسف وفضائله للعبرة بها وإنما علمنا أن هذا وقع بالفعل، كما نعلم أنه كان متوقعا بحكم العادة والعقل، ومن قوله تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ } أي أخبر عن مشاهدة أو علم كالمشاهدة، وقيل حكم مستدلاً بما ذكر، وقد اختلفوا في هذا الشاهد كعادتهم في المبهمات التي يكثر فيها التخيل والاختراع هل كان صغيرا أو كبيرا أو حكيما أو من خاصة الملك أو حيوانا حتى رووا عن مجاهد أنه قال ليس بإنس ولا جان هو خلق من خلق الله، مع قول الله إنه من أهلها، ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك إنه كان صبياً في المهد يؤيدها ما رواه أحمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم " وابن جرير عن أبي هريرة قال: " عيسى ابن مريم وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا في المهد " وهذا موقوف والمرفوع ضعيف وقد اختاره ابن جرير وحكاه ابن كثير بدون تأييد ولا رد، وأما هذه الشهادة وفسرها بعضهم بالحكم فهي قوله: { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } أي من قدام { فَصَدَقَتْ } في دعواها أنه أراد بها سوءاً فإنه لما وثب عليها أخذت بتلابيبه فجاذبها فانقد قميصه وهما يتنازعان ويتصارعان { وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } في دعواه أنها راودته فامتنع وفر فتبعته وجذبته تريد إرجاعه، { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } أي من خلف { فَكَذَبَتْ } في دعواها أنه هجم عليها يريد ضربها { وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } في قوله إنه فر منها هاربا وهذه الشهادة ظاهرة على التفسير المختار الذي قررناه، ومشكلة على قول الجمهور كما صرح به بعض المدققين.

{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ } [يوسف: 28] أي إن هذا العمل ومحاولة التنصل منه بالاتهام من كيدكن المعهود منكن معشر النساء، فهو لم يخص الكيد بزوجه فيقال إنه أمر شاذ منها يجب التروي في تحقيقه بأكثر مما شهد به أحد أهلها، وهو لا يتهم في التحامل عليها وظلمها، بل هو سنة عامة فيهن في التقصي من خطيئاتهن، فقد أثبت خطيئتها مستدلا عليها بالسنة العامة لهن في أمثالها { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } لا قبل للرجال به ولا يفطنون لحبلكن في دقائقه.

السابقالتالي
2