الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

مسألة المراودة والهم والمطاردة:

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } هذه الجملة معطوفة على جملة وصية العزيز لامرأته بإكرام مثواه وما عللها به من حسن الرجاء فيه، وما بينه الله تعالى من عنايته به وتمهيد سبيل الكمال له بتمكينه في الأرض، يقول إن هذه المرأة التي هو في بيتها نظرت إليه بغير العين التي نظر إليه بها زوجها، وأرادت منه غير ما أراده هو وما أراده الله من فوقهما، هو أراد أن يكون قهرمانا أو ولداً لهما، والله أراد أن يمكن له في الأرض ويجعله سيد البلاد كلها، وهي أرادت أن يكون عشيقا لها، وراودته عن نفسه، أي خادعته عنها وراوغته لأجل أن يرود أو يريد منها ما تريد هي منه مخالفا لإرادته هو وإرادة ربه، والله غالب على أمره، قال في المصباح المنير: أراد الرجل كذا إرادة وهو الطلب والاختيار، وراودته على الأمر مراودة وروادا من باب قاتل طلبت منه فعله وكأن في المراودة معنى المخادعة لأن المراود يتلطف في طلبه تلطف المخادع ويحرص حرصه. وقال الراغب: المراودة أن تنازع غيرك في الإرادة فتريد غير ما يريد، أو ترود غير ما يرود، وذكر شواهد الآيات في هذه القصة ومنها قول إخوة يوسف له:سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } [يوسف: 61] أي نحتال عليه ونخدعه عن إرادته ليرسل أخاه معنا. وقال في أساس البلاغة: وراوده عن نفسه خادعه عنها وراوغه، وقال في الكشاف المراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب، كأن المعنى خادعته عن نفسه، أي فعلت ما يفعل المخادع عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التحيل لمواقعته إياها اهـ. ولو رأت منه أدنى ميل إليها وهي تخلو به في مخادع بيتها لما احتاجت إلى مخادعته بالمراودة، ولما خابت في التعرض له بالمغازلة والمهازلة، تنزلت إلى المكاشفة والمصارحة، إذ كان كل ما سبقه منها وحدها ولم يشاركها فيه، { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } أي أحكمت إغلاق باب المخدع الذي كانا فيه وباب البهو الذي يكون أمام الحجرات والغرف في بيوت الكبراء وباب الدار الخارجي، وقد يكون في أمثال هذه القصور أبواب أخرى متداخلة { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي هلم أقبل وبادر، وزيادة: " لك " بيان للمخاطب كما يقولون هلم لك وسقيا لك، واقتصر على هذا في التنزيل، وهو منتهى النزاهة في التعبير، والله أعلم بما زادته من الإغراء والتهييج الذي تقتضيه الحال، ونقل رواة الإسرائيليات عنها وكذا عنه من الوقاحة ما يعلم بالضرورة أنه كذب فإن مثله لا يعلم إلا من الله تعالى أو بالرواية الصحيحة عنها أو عنه ولا يستطيع أن يدعي هذا أحد كما يأتي قريبا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9