الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ }

فاتحة هذه السورة هي فاتحة سورة يونس إلا وصف القرآن بالمبين هنا وبالحكيم هنالك، وهما في أعلى ذروة من البيان، وأقصى مدى من الحكمة والإحكام، اختير في كل من السورتين ما يناسبها، فسورة يونس موضوعها أصل الدين وهو توحيد الألوهية والربوبية وإثبات الوحي والرسالة بإعجاز القرآن والبعث والجزاء وهي من الحكمة. وهذه موضوعها قصة نبي كريم تقلب في أطوار كثيرة كان قدوة خير وأسوة حسنة فيها كلها، فالبيان لها أخص.

{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } أي آيات هذه السورة هي آيات الكتاب البين الظاهر بنفسه في حقيقته وإعجازه وكونه ليس من كلام البشر، والمظهر لما شاء الله من حقائق الدين ومصالح الدنيا، وقال مجاهد: بين الله حلاله وحرامه، وقال الزجاج: مبين للحق من الباطل والحلال من الحرام. تقول العرب أبان الشيء فعلا لازما بمعنى ظهر واتضح. وتقول أبان الرجل كذا إذا أظهره وفصله من غيره مما شأنه أن يشتبه به، ويجوز الجمع بينهما هنا كما قلنا آنفا.

{ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ } أي الكتاب على رسولنا النبي العربي حال كونه { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي يبين لكم بلغتكم العربية ما لم تكونوا تعلمون من الدين وأنباء الرسل والعلم والحكمة والأدب والسياسة و { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } معانيه أيها العرب، وما ترشد إليه من مطالب الروح ومدارك العقل، وتزكية النفس، وتثقيف مدارك الوجدان والحس، وإصلاح الاجتماع العام، المراد بها صلاح الحال، وسعادة المآل، والقرآن اسم جنس يطلق على بعضه كالسورة الواحدة، وقيل أنه المراد هنا، وعلى جملته كلها.

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ } أيها الرسول المصطفى { أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } أي نحدثك أحسن الاقتصاص والتحديث بيانا وأسلوبا وإحاطة، أو أحسن ما يقص ويتحدث عنه موضوعا وفائدة، ويجوز الجمع بين المعنيين، فالقصص مصدر أو اسم من قص الخبر إذا حدث به على أصح الوجوه وأصدقها، لأنه من قص الأثر واقتصه إذا تتبعه وأحاط به خبراً، كأنه قال نقصه عن اقتصاص وإحاطة، ويجوز أن يكون بمعنى اسم المفعول، فيكون القصص بمعنى المقصوص من الأخبار والأحاديث { بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ } أي بإيحائنا إليك هذه السورة من القرآن، إذ هو الغاية العليا في حسن فصاحته وبلاغته وتأثيره وحسن موضوعه، { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } أي وإن الشأن وحقيقة ما يتحدث عنه من قصتك أنت أنك كنت من قبل إيحائنا إياه إليك من جماعة الغافلين عنه من قومك الأميين الذين لا يخطر في بالهم التحديث بأخبار الأنبياء وأقوامهم، وبيان ما كانوا عليه من دين وتشريع كيعقوب وأولاده في بداوتهم، ولا ما كانت الأمم فيه من ترف وحضارة كالمصريين الذين وقع يوسف بينهم، وحدث لهم ما حدث في بعض بيوتاتهم العليا ثم في بيت الملك وإدارة نظام الدولة.