الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }

هذه الآيات الخمس في بيان تحول قوم شعيب عن مجادلته بالتي هي أحسن إلى الإهانة والتهديد، ومقابلته إياهم بالإنذار بقرب الوعيد، ونزول العذاب الشديد، ووقوع ذلك بالفعل العتيد.

{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } [هود: 91] حققنا في تفسير سورة الأعراف [7: 179] أن الفقه في اللغة أخص من الفهم والعلم، وهو الفهم الدقيق العميق المؤثر في النفس الباعث على العمل أي ما نفقه كثيراً مما ترمي مما وراء ظواهر أقوالك من بواطنها وتأويلها كبطلان عبادة آلهتنا وقبح حرية التصرف في أموالنا، وعذاب محيط يبيدنا، وإصابتنا بمثل الأحداث الجوية التي نزلت بمن قبلنا، كأن أمرها بيدك وتصرفك أو تصرف ربك، يصيب بها من تشاء أو يشاء لأجلك، { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } لا حول لك ولا قوة تمتنع بها منا إن أردنا أن نبطش بك، وأنت على ضعفك تنذرنا العذاب المحيط الذي لا يفلت منه أحد { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } أي عشيرتك الأقربون - والرهط الجماعة من الثلاثة إلى السبعة أو العشرة { لَرَجَمْنَاكَ } لقتلناك شر قتلة وهي الرمي بالحجارة حتى تدفن فيها { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أي بذي عزة ومنعة علينا تحول بيننا وبين رجمك، وإنما نعز رهطك ونكرمهم على قلتهم لأنهم منا وعلى ديننا الذي نبذته وراء ظهرك، وأهنته ودعوتنا إلى تركه لبطلانه وفساده في زعمك.

{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ } [هود: 92] هذا استفهام إنكاري أي أرهطي أعز وأكرم عليكم من الله الذي أدعوكم إليه بأمره { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } أي أشركتم به وجعلتموه كالشيء اللَّقا الذي ينبذ وراء الظهر لهوانه على نابذه وعدم حاجته إليه فينسى حتى لا يحسب له حساب. تقول العرب: جعله بظهر وظهرياً واتخذه ظهرياً بالكسر والتشديد أي نسيا منسيا لا يذكر كأنه غير موجود، وكسر الظاء من تصرفهم في النسب، وكان القوم يؤمنون بالله ويشركون به، ولا عجب من حالهم هذه فإنه شأن أكثر الناس اليوم، لا يراقبون الله في أقوالهم ولا في أعمالهم فيرجوه إذا أحسنوا، ويخافوه إذا أساءوا، أو فيمتنعوا عن الإساءة ويتسابقوا إلى الإحسان ابتغاء مرضاته { إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } علما فهو يحصيه عليكم ويجزيكم به، وأما رهطي فلا يستطيعون لكم ضراً ولا نفعاً.

{ وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } [هود: 93] هذا أمر تهديد ووعيد من واثق بقوته بربه، على انفراده في شخصه، وضعف قومه على كثرتهم، وإدلالهم عليه وتهديدهم له بقومهم، أي اعملوا ما استطعتم على منتهى تمكنكم في قوتكم وعصبيتكم (من مكن مكانة كضخم ضخامة - إذا تمكن كل التمكن مما هو فيه وبصدده) أو على مكانكم الذي أنتم فيه إذ يقال مكان ومكانة (كمقام ومقامة) { إِنِّي عَٰمِلٌ } على مكانتي التي أعطانيها أو وهبنيها ربي من دعوتكم إلى التوحيد وأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ } هذا تصريح بالوعيد، بعد التلميح له بالأمر بالعمل المستطاع للتعجيز، وهو جواب سؤال مقدر على طريق الاستئناف البياني، ولذلك لم يقرن بالفاء كقوله في سورة الأنعام في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3