الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } * { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }

هذه الآيات استئناف بياني كأمثالها من المراجعات في مناقشة قوم شعيب له بالآراء التقليدية في التدين والإيمان، والنظريات الشيطانية في الحرية والأموال.

{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } [هود: 87] قرأ جمهور القراء (صلواتك) بالجمع واستدل بها على أنه كان كثير الصلاة، وحمزة والكسائي (صلاتك) بالإفراد، والاستفهام للإنكار والاستهزاء به وبعبادته عليه السلام، والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر بما تكسبه من مراقبة الله تعالى، ومن نهى نفسه كان جديراً بأن ينهى غيره، يعنون أهذه الصلاة التي تداوم عليها تقتضي بتأثيرها في نفسك أن تحملنا على ترك ما كان عليه آباؤنا من عبادة هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها تقربا إلى الله بها، وتشفعا عنده بجاه الأرواح التي تحتلها، أو الأولياء التي وضعت لذكراهم، وما أنت خير منهم، وأجدر باتباعهم { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } من تنمية واستغلال، وتصرف في الكسب من الناس بما نستطيع من حذق واحتيال، وخديعة واهتبال، وهو حجر على حريتنا، وتحكم في ذكائنا؟ ردوا بهذا وبما قبله عليه دعوته من جانبيها الديني والدنيوي نشراً مرتباً على لف، ونقضا لما بنيت عليه من حجة وعطف، ولذلك ذيلوه بما يشير إلى هذا النقض، فقالوا بقصد التعريض والتنديد: { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } الحليم العاقل الكامل في أناته وترويه فلا يتعجل بأمر قبل الثقة من صحته، والرشيد الراسخ في هدايته وهديه، فلا يأمر إلا بما استبان له من الخير والرشد، ووصفه بهما وصفا مؤكداً بالجملة الاسمية وإن واللام في تعليل إنكارهم لما أمرهم، به وما نهاهم عنه كلاهما صريح في الاستهزاء به، والتعريض بما يعتقدون من اتصافه بضدهما، وهو الجهالة والسفه في الرأي، والغواية في الفعل، بهوس الصلاة، قال ابن عباس رضي الله عنه يقولون إنك لست بحليم ولا رشيد.

{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } [هود: 88] أي يا قومي الذين أنا منهم وهم مني، وأحب لهم ما أحب لنفسي، أخبروني عن شأني وشأنكم إن كنت على حجة واضحة من ربي فيما دعوتكم إليه وما أمرتكم به وما نهيتكم عنه فكان وحيا منه لا رأيا مني { وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً } في كثرته وفي صفته، وهو كسبه بالحلال بدون تطفيف مكيال ولا ميزان، ولا بخس لحق أحد من الناس، فأنا مجرب في الكسب الطيب وما فيه من خير وبركة، لا فقير معدم أخترع الآراء النظرية فيما ليس لي خبرة به، أي أرأيتم والحالة هذه ماذا أفعل وماذا أقول لكم غير الذي قلته عن نبوة ربانية، وتجارب غنى مالية؟ هل يسعني الكتمان أو التقصير في البيان؟ { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } أي وإنني على بينتي ونعمتي ما أريد أن أخالفكم في ذلك مائلا إلى ما أنهاكم عنه مؤثراً لنفسي عليكم، بل أنا مستمسك به قبلكم.

السابقالتالي
2 3