الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

هذه الآيات الثلاث في إنجاء لوط بأهله إلا امرأته وإهلاك قومه.

{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ } [هود: 81] من ملائكته أرسلنا لتنجيتك من شرهم وإهلاكهم { لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } بسوء في نفسك ولا فينا، وحينئذ طمس الله أعينهم فلم يعودوا يبصرون لوطاً ولا من معه كما قال تعالى في سورة القمر:وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } [القمر: 37] فانقلبوا عميانا يتخبطون { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } أي فاخرج من هذه القرية أو القرى مصحوبا بأهلك بطائفة من الليل تكفي لتجاوز حدود هؤلاء القوم. والسري (بالضم) والإسراء في الليل كالسير في النهار، قرئ (أسر) بقطع الهمزة ووصلها منهما حيث وقعت في القرآن. وفي سورة الذاريات:فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الذاريات: 35-36].

{ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } إلى ما وراءه لئلا يرى العذاب فيصيبه، وفي سورة الحجروَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } [الحجر: 65] وقد بينه لهم الملائكة { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } وكانت كافرة خائنة ضلعها مع القوم { إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ } أي مقضي هذا عليها فهو واقع لابد منه.

قرئ امرأتك بالنصب وبالرفع، { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } أي موعد عذابهم يبتدئ من طلوع الفجر وينتهي بشروقها كما قال في سورة الحجر في قوله تعالى:فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } [الحجر: 73] وهذا تعليل للإسراء ببقية من الليل كما قلنا { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } أي موعد قريب لم يبق له إلا ليلة واحدة تنجو فيها بأهلك وهذا تقرير مؤكد لما قبله وجواب عن استعجال لوط لهلاكهم وحكمته أنهم يكونون مجتمعين فيه في مساكنهم فلا يفلت أحد منهم.

{ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } [هود: 82] أي عذابنا أو موعده { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أي قلبنا أرضها أو قراها كلها وخسفنا بها الأرض، وسنة الله تعالى في خسف الأرض في قطر من الأقطار أن يحدث تحتها فراغ بقدرها بسبب تحول الأبخرة التي في جوفها بمشيئته وقدرته فينقلب ما فوقه إما مستوياً وإما مائلا إلى جانب من الجوانب إن كان الفراغ تحته أوسع، وفي بعض هذه الأحوال يكون عاليها سافلها، ويجوز أن يكون معنى جعل عاليها سافلها إن ما كان سطحاً لها هبط وغار فكان سافلها وحل محله غيره من اليابسة المجاورة أو من الماء، والمرجح عند علماء الأرض أن قرى لوط التي خسف بها تحت الماء المعروف ببحر لوط أو بحيرة لوط، وقيل من عهد قريب إن الباحثين عثروا على بعض آثارها كما تقدم.

{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا } أي قبل القلب أو في أثنائه وحكمته أن يصيب الشذاذ المتفرقين من أهلها { حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } وفي سورة الذارياتلِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [الذاريات: 33] فالمراد إذاً حجارة من مستنقع، وقال مجاهد أولها حجر وآخرها طين، وقال الحسن أصل الحجارة طين متحجر، والمعقول ما قلنا وهو موافق لقول الراغب السجيل حجر وطين مختلط أصله فارسي فعرب، وقيل إنه من النار وأصله سجين فأبدلت نونه لاما.

السابقالتالي
2 3 4