الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

هذه الآيات الخمس في بينة الله لصالح عليه السلام وهي آيته على رسالته، وإنذارهم الهلاك وعذاب الاستئصال إذا هم مسوها بسوء، ووقوع ذلك بالفعل.

{ وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } [هود: 64] أي الناقة التي شرفها الله بإضافتها إلى اسمه بجعلها ممتازة دون الإبل بما ترون من أمرها وأكلها وشربها، أشير إليها حال كونها لكم آية منه بينة دالة على هلاككم إن خالفتم أمره فيها { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } مما فيها من المراعي لا يعرض لها أحد بمنع { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } أي لا يمسها أحد منكم بأذى فيأخذكم كلكم عذاب عاجل لا يتأخر عن مسكم إياها بعقر أو غيره، وقد تقدم هذا الإنذار بنصه في قصته من سورة الأعراف إلا أنه قال هناك (عذاب أليم) وكل من الوصفين حق وقد تكلمت هنالك على هذه الناقة ومعنى إضافتها إلى الله تعالى، وما جاء فيها من السور الأخرى ومنه قسمة الماء بينها وبينهم (فيراجع في ج8).

{ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [هود: 65] يقولون عقر الناقة (من باب ضرب) بالسيف إذا ضرب قوائمها به أو نحرها، أي فقتلوا الناقة عقب ذلك الإنذار غير مصدقين له ولا مبالين بالوعيد، فضرب لهم صالح ثلاثة أيام موعداً يتمتعون بها في وطنهم كما كانوا في معايشهم { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } أي وعد من الله غير مكذوب فيه، وكذب يتعدى بنفسه فيقال كذب فلانا حديثا وكذبه الحديث أي كذب عليه فيه، والوعد خبر موقوت، كأن الواعد قال للموعود إنني أفي به في وقته، فإن وفى فقد صدقه ولم يكذبه، ويجوز أن يكون (مكذوب) مصدراً وله نظائر كالمفتون والمجلود ومنه (بأيكم المفتون).

{ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } [هود: 66] أي فلما جاء أمرنا بإنجاز وعدنا بعذابهم نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة خاصة منا، ونجيناهم من خزي ذلك اليوم أي ذله ونكاله باستئصال القوم من الوجود، وما يتبعه من سوء الذكر ولعنة الإبعاد من رحمة الله تعالى، وأصل التعبير نجيناهم برحمة منا من خزي يومئذ ففصل بين: " من " التي هي صفة الرحمة، و من الموصلة للعذاب كما تقدم في قصة هود بدون إعادة فعل التنجية الذي صرح به هناك، وقدّر هنا استغناء عن ذكره بقرب مثله.

فهذه الآية كالآية 58 في قصة هود ومعناهما واحد، إلا أن هذه جاءت بالفاء (فلما) وتلك بالواو وهو الأصل في مثل هذا العطف، وإنما كانت الفاء هي المناسبة لما هنا لأن ما قبلها جاء بالفاءات المتعاقبة الواقعة في مواقعها من أمر الإنذار فالوعيد على المخالفة فالمخالفة فتحديد موعد العذاب بثلاثة أيام فالإخبار بإنجازه ووقوعه - فما كان المناسب في هذا إلا أن يكون بالفاء تعقيباً على ما قبله كما قال في آخر سورة الشمس:

السابقالتالي
2