الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } * { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ }

هذه الآيات الثلاث في تبليغ دعوة صالح لقومه وردهم لها واحتجاجه عليهم.

{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [هود: 61] هذا نص ما تقدم في تبليغ هود عليه السلام، ثم قال { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي هو بدأ خلقكم من الأرض بخلق أبيكم آدم منها مباشرة ثم بخلق كل منكم من سلالة من طين الأرض، فإن النطفة التي تتحول في الرحم إلى علقة فمضغة فهيكل عظمي يحيط به لحم هي من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء الغالب إما نبات من الأرض، وإما لحم يرجع إلى النبات في طور واحد أو أكثر { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي وجعلكم عماراً فيها من العمران فقد كانوا زراعا وصناعا وبنائين في قوله تعالى:وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } [الحجر: 82] وقيل من العمر أي أطال أعماركم فيها والصحيح الأول، واستعمل الاستعمار في عصرنا بمعنى استيلاء الدول القوية على بلاد المستضعفين واستثمارها واستعباد أهلها لمصالحهم، والمراد أنه هو المنشئ لخلقكم والممدكم بأسباب العمران والنعم فيها فلا يصح أن تعبدوا فيها غيره، لأنه هو صاحب الفضل كله، والمستحق للعبادة وحده { فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي فاسألوه أن يغفر لكم ما أشركتم وما أجرمتم ثم توبوا وارجعوا إليه كلما وقع منكم ذنب أو خطأ، وتقدم مثله في دعوة هود قريبا وفي دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في أول السورة { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } قريب من عباده لا يخفى عليه شيء من استغفارهم والباعث عليه من أحوالهم، مجيب لدعاء من دعاه مؤمنا مخلصا له الدين كما قال في سورة البقرة في قوله تعالى:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186] فيراجع تفسيرها المفصل هنالك.

{ قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } [هود: 62] أي قد كنت موضع رجائنا لمهمات أمورنا لما لك من المكانة في بيتك وفي صفاتك الشخصية من العقل والرأي قبل هذا الذي تدعونا إليه من تبديل ديننا بما تزعم من بطلانه فانقطع رجاؤنا منك { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } الاستفهام للإنكار والتعجب أي أتنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا من قبلنا واستمر فينا لا ينكره ولا يستقبحه أحد؟ فالآباء يشمل الغابرين والحاضرين، ولو قالوا ما عبد آباؤنا لما أفاد هذا، فلا حاجة إلى القول بأن التعبير بالمضارع حكاية مصورة للحال الماضية في صورة الحاضرة { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } أي وإنا لواقعون في شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده لا نتوسل إليه بأحد من أوليائه وأحبائه الشفعاء لنا عنده المقربين لنا إليه، ولا بتعظيم ما وضعه آباؤنا لهم من الصور والتماثيل المذكرة بهم، لا ندري مرادك وغرضك منه، فإنه موجب للريب وسوء الظن.

السابقالتالي
2