الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } * { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }

هذه الآيات الخمس في رد قومه للدعوة وجحودهم للبينة، وحجته عليهم وإنذاره لهم.

{ قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } [هود: 53] أي بحجة ناهضة تدل على إن ما جئت به من الله تعالى { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي وما نحن بالذين نترك عبادة آلهتنا صادرين عن قولك أو تركا صادراً عن قولك من تلقاء نفسك وأنت بشر مثلنا { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي وما نحن بمتبعين لك اتباع إيمان وتصديق برسالتك التي لا بينة لك عليها، وما قولهم هذا إلا جحود وعناد، فإن حجته عليه السلام موافقة للعقل والفطرة السليمة.

{ إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } أي ما نجد من قول نقوله فيك إلا إن بعض آلهتنا أصابك بجنون أو خبل وهو الهوج والبله لإنكارك لها وصدك إيانا عنها { قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ } هذا بدء جواب يتضمن عدة مسائل (احداها) البراءة من شركهم أو شركائهم التي افتروها ولا حقيقة لها (الثانية) إشهاد الله على ذلك لثقته بأنه على بينة منه فيه - وإشهاده إياهم عليه أيضا لإعلامهم بعدم مبالاته بهم وبما يزعمون من قدرة شركائهم على إيذائه (الثالثة) قوله { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي فأجمعوا أنتم وشركاؤكم ما تستطيعون من الكيد للإيقاع بي ثم لا تمهلوني ولا تؤخروا الفتك بي إن استطعتم، أي إنه لا يخافهم ولا يخاف آلهتهم. وتقدم مثل هذا في تلقين نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى بعد تقرير عجز آلهة المشركين وهو في قوله تعالى:قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف: 195] ومثله حكاية عن نوح في سورة يونس في قوله تعالى:فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [يونس: 71] وقد قدم نوح على هذا الأمر توكله على الله تعالى، وأخره هود بقوله وهو المسألة (الرابعة).

{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } هذا احتجاج على ما دل عليه ما قبله من عدم الخوف منهم ومن آلهتهم، يقول إني وكلت أمر حفظي وخذلانكم إلى الله معتمداً عليه وحده إذ هو ربي وربكم، أي مالك أمري وأموركم المتصرف فيها وفي غيرها بدليل قوله { مَّا مِن دَآبَّةٍ } تدب على هذه الأرض { إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } أي مسخرها ومتصرف فيها، والتعبير بالأخذ بالناصية وهو مقدم شعر الرأس تمثيل لتصرف القهر، والخضوع الذي لا مهرب منه ولا مفر، وتقدمت الجملة في أول الآية السادسة من هذه السورة، ويؤيده من سورة العلق:لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } [العلق: 15] أي لنأخذن بها أخذ القاهر المؤدب قال في الأساس: وسفع بناصية الفرس ليلجمه أو يركبه، وسفع بناصية الرجل ليلطمه ويؤدبه { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على طريق الحق والعدل لا يسلط أهل الباطل من أعدائه على أهل الحق من رسله ومتبعيهم.

السابقالتالي
2