الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } هذا بيان لابتداء الغاية مما ذكر قبله من الإستعداد لهلاك قوم نوح أي وكان يصنع الفلك كما أمر، ويقابل السخرية بغير ابتئاس ولا ضجر، حتى إذا جاء وقت أمرنا بهلاكهم { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } اشتد غضب الله تعالى عليهم. فهو مجاز كحمي الوطيس، أو فار الماء من التنور عند نوح لأنه بدأ ينبع من الأرض. والتنور الذي يخبز فيه الخبز معروف عند العرب. قيل إن التاء أصلية فيه وقيل زائدة وقد اتفقت فيه لغة العرب والعجم وقيل أول من صنعه حواء أم البشر وإن تنورها بقي إلى زمن نوح وأنه هو المراد هنا، وهذا مما لا يوثق به، والفور والفوران ضرب من الحركة والارتفاع القوي، يقال في الماء إذا نبع وجرى، وإذا غلا وارتفع، قال في الأساس: فارت القدر، وفارت فوراتها، وعين فوارة في أرض خوارة، وفار الماء من العين. ومن المجاز: فار الغضب، وأخاف أن تفور علي، وقال ذلك في فورة الغضب اهـ.

وقال الراغب في مفردات القرآن: الفور شدة الغليان ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت وفي القدر وفي الغضب، نحو:وَهِيَ تَفُورُ } [الملك: 7] { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } اهـ. والمتبادر من فوران التنور هنا اشتداد غضب الله تعالى على أولئك المشركين الظالمين لأنفسهم وللناس وحلول وقت انتقامه منهم، وقد روي فيه عن مفسري الصحابة والتابعين بضعة أقوال ما أراها إلا من الإسرائيليات، أقربها إلى اللغة إن التنور أطلق في اللغة على تنور الفجر وإن المراد من فورانه هنا ظهور نوره وهو مروي عن علي كرم الله وجهه، يعني إن هذا الوقت موعدهم كقوم لوط. والثاني إن المراد منه فوران الماء من تنور الخبز وكان ذلك علامة لنوح عليه السلام، وهو يتوقف على رواية مرفوعة وينسب إلى ابن عباس رضي الله عنه وأقرب منه أن يكون أول نبع ماء الطوفان من الأرض. ولا يصح في هذه الآثار ولا في أمثالها رواية مرفوعة يحتج بها، وحديث عائشة الآتي يدل على ما قلت أنه الأقرب.

{ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } قرأ حفص كلمة (كل) هنا بالتنوين وجمهور القراء بالإضافة لما بعدها، أي حتى إذا جاء موعد أمرنا قلنا لنوح حينئذٍ احمل فيها أي في الفلك وهو السفينة من كل زوج اثنين ذكراً وأنثى والتقدير على قراءة حفص: احمل فيها من كل نوع من الأحياء أو الحيوان زوجين اثنين ذكراً وأنثى لأجل أن تبقى بعد غرق سائر الأحياء فتتناسل ويبقى نوعها على الأرض: { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } أي واحمل فيها أهل بيتك ذكوراً وإناثاً وأهل بيت الرجل عند الإطلاق نساؤه وأولاده وأزواجهم، والظاهر أن المستثنى منهم كفارهم إن كان فيهم كفار لأنهم يدخلون في عموم قوله

السابقالتالي
2