الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } * { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

هذه الآيات هي الحكم الفصل في قوم نوح المشركين ويليها بيان تنفيذه.

{ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } أي أوحى الله تعالى إليه ما أيأسه من إيمان أحد من قومه بعد الآن غير من قد آمن من قبل منهم فهم ثابتون على إيمانهم دائمون عليه { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } أي فلا يشتدن عليك البؤس والحزن واحتمال المكاره بعد اليوم بما كانوا يفعلون في السنين الطوال من تكذيبهم وعنادهم وإيذائهم لك ولمن آمن لك، إذ كنت تعرض له وتستهدف لسهامه رجاء في إيمانهم واهتدائهم، فأرح نفسك بعد الآن من جدالهم وسماع أقوالهم ومن إعراضهم واحتقارهم، فقد آن زمن الانتقام منهم.

{ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } الفلك السفينة يطلق على المفرد والجمع والظاهر من تعريفه هنا إن الله تعالى كان أخبره خبره. أي واصنع الفلك الذي سننجيك ومن آمن معك فيه حال كونك ملحوظاً ومراقباً بأعيننا من كل ناحية، وما يلزمه من حفظنا في كل آن وحالة، فلا يمنعك منه مانع، وملهماً أو معلماً بوحينا لك كيف تصنعه، فلا يعرض لك في صفته خطأ، وجمع الأعين هنا لإفادة شدة العناية بالمراقبة والحفظ، وإن قال مجاهد: أي بعيني ووحيي فإن العرب تعبر برؤية العين الواحدة عن العناية وبالأعين عن المبالغة فيها، قال تعالى لموسى عليه السلام:وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [طه: 39] وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم:وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور: 48] وفي الأساس وتقول لمن بعثته واستعجلته: " بعين ما أرينك " أي لا تلو على شيء فكأني أنظر إليك اهـ. وقال الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها   نم فالمخاوف كلهن أمان
وهذا التفسير هو الظاهر بل المتبادر من هذا التعبير، وليس تأويلاً صرف به عن الظاهر لإيهامه التشبيه فإنما مرادهم بالتأويل حمل اللفظ على المعنى المرجوح من معنييه أو معانيه لمانع من حمله على المعنى الراجح، وهو لا ينحصر في الحقيقة اللغوية.

{ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي لا تراجعني في أمرهم بشيء من طلب الرحمة بهم ودفع العذاب عنهم { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } أي حقت عليهم كلمة العذاب وقضى عليهم القضاء الحتم بالإغراق، فلا تأخذك بهم رأفة ولا إشفاق. وقيل معناه: ولا تخاطبني بعد في استعجال تعذيبهم وتكرار الدعاء عليهم، ويرجح هذا إذا كان الدعاء بعد إعلامه تعالى إياه بهذا الحكم، فقد حكى عنه في آخر سورته في قوله تعالى:وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً * رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }

السابقالتالي
2