الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } * { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } * { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } * { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

هذه الآيات الأربع في أصول الدعوة إلى دين الله تعالى وهي القرآن وما بينه من توحيد الله تعالى وعبادته وحده والإيمان برسله وبالبعث والجزاء، وعمل الصالحات، خوطب بها الناس من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون ذكرهم، ولا ذكر لأمره تعالى له به، للعلم بكل منهما بالقرينة، وبنزول هذه السورة عقب سورة يونس التي افتتحت بمثل هذا.

{ الۤر } تقرأ كأمثالها بأسماء الحروف ساكنة لا بمسمياتها فيقال: ألف، لام، را، ومذهب الخليل وسيبويه أنها اسم للسورة، أو للقرآن (وبينا حكمة الابتداء بها في أول تفسير سورة الأعراف) ومحلها الرفع على الابتداء أو الخبرية عند الأكثر.

{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } أي هذا كتاب عظيم الشأن (كما أفاده التنوين) جعلت آياته محكمة النظم والتأليف، واضحة المعاني بليغة الدلالة والتأثير، فهي كالحصن المنيع، والقصر المشيد الرفيع، في إحكام البناء، وما يقصد به من الحفظ والإيواء مع حسن الرواء، فهي لظهور دلالتها على معانيها ووضوحها لا تقبل شكاً ولا تأويلاً، ولا تحتمل تغييراً ولا تبديلاً { ثُمَّ فُصِّلَتْ } أي: جعلت فصولا متفرقة في سوره ببيان حقائق العقائد، والأحكام والحكم والمواعظ، وسائر ما أنزل الكتاب له من الفوائد، كما يفصل الوشاح أو العقد بالفرائد، فالأحكام والتفصيل فيه مرتبتان من مراتب البيان مجتمعتان، لا نوعان منه متفرقان يختلفان في الزمان، أو فصلت بعد الإجمال، كما ترى في القصص القصار والطوال، وقد أبهما ببناء فعليهما للمفعول، ثم بينا بجعلهما { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } وهو أبلغ من إسنادهما إليه ابتداء، أي من عند حكيم كامل الحكمة هو الذي أحكمها، وخبير تام الخبرة هو الذي فصلها، ولدن ظرف مكان أخص من (عند) وأبلغ، وهو بفتح فضم (كعضد) مبني على السكون.

هذا ما يتبادر إلى فهم العربي القح من عبارة الآية، فإذا عرضته على ما جاء في القرآن من حرفي الإحكام والتفصيل وجدت فيه من الحرف الأول ثلاث كلمات:

الأولى: قوله تعالى:فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } [الحج: 52].

والثانية: قوله تعالى:وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } [محمد: 20].

والثالثة: قوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران: 7] ووجدت الإحكام في كل منهن بالمعنى اللغوي الذي بيناه آنفا. وقد حمل المقلدون المحكم في الآية الثانية على ما يقابل المنسوخ في اصطلاحهم، فقالوا سورة محكمة غير منسوخة، وهذا الحمل غير صحيح وإن كان المراد منه صحيحا، فإن هذا الاصطلاح ليس من أصل اللغة ولا من عرف القرآن، بل وضع بعد عصر نزوله.

والآية الأولى حجة على هذا فإن النسخ فيها غير النسخ الأصولي، ولا يصح أن يكون المعنى فإذا أنزلت سورة غير منسوخة لا كلها ولا بعضها، لأن إنزال سورة منسوخة محال في نفسه، فلا معنى إذاً لنفيه.

السابقالتالي
2 3 4 5