الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

قصة نوح عليه السلام:

تقدم ذكر خلاصة من هذه القصة في سورة يونس مختصرة مبدوءة بقوله تعالى:وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } [يونس: 71] إلخ وبينت في تفسيرها نكتة هذا العطف فيها ووجه اتصال الكلام بما قبله فكان متمماً وشاهداً له، وتقدمت قبل ذلك في سورة الأعراف مختصرة أيضاً مبدوءة بقوله تعالى:لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [الأعراف: 59] وأشرت في تفسيره إلى وجه التناسب واتصال الكلام بما جاء في أول السورة من ذكر بعثة الرسل عامة وقد جاءت في هذه السورة مفصلة مناسبة لما قبلها بما نبينه فيما يلي فنقول:

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } قال المعربون من المفسرين إن الواو هنا للإبتداء، أي لأن معنى الجملة لا يشترك مع ما قبله بما يصح جعلها معطوفة عليه. وأقول إن هذا سياق جديد في السورة أكد به ما قبله من الدلائل على أصول الدين من التوحيد والبعث والنبوة، فهو يشترك معه في جملته لا مع آخر آية منه، وعندي أن هذه القصة معطوفة على ما في أول هذه السورة من ذكر بعثة محمد رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم بمثل ما بعث به من قبله من الدعوة إلى عبادة الله وحده وبعثه نذيراً وبشيراً والإيمان بالبعث والجزاء، ليعلم قومه أنه صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل، وأن حاله معهم كحال من قبله من الرسل عليهم السلام مع أقوامهم إجمالاً وتفصيلاً، كما قال في سورة الإسراء:سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } [الإسراء: 77] فكأنه قال لقد أرسلناك يا محمد إلى قومك وإلى الناس كافة بما تقدم بيان أصوله، ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه بمثل ما أرسلناك إلخ.

وافتتحت القصة بصيغة القسم لإنكار المخاطبين بها لبعثة الرسل، وقدمنا بيان ما كان للقسم عند العرب من التأثير في تأكيد الكلام، وناهيك به في كلام الله المنزل على من عرف عندهم بالصدق من أول نشأته وهو محمد عليه الصلاة والسلام، { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي أرسلناه ببيان وظيفته من الإنذار لهم، أو قائلاً لهم إني لكم نذير بين الإنذار ظاهره، وهو الإعلام بالشيء مع بيان عاقبة من خالفه فلم يذعن لما فيه من الأمر والنهي ثم فسر هذا الإرسال والإنذار بقوله:

{ أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } بأن لا تعبدوا إلا الله، بل اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً (وهذا عين ما تقدم في الآية الثانية) وكانوا أول قوم أشركوا بالله واتخذوا له الأنداد، وكان أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض كما تقدم في قصته من سورة الأعراف { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } أي شديد الألم وهو يوم القيامة أو يوم عذاب الاستئصال بالطوفان، وصف بالألم للمبالغة، وإنما يشعر بالألم من يعذب فيه من الكافرين الظالمين، وفي قصته من سورة الأعراف:

السابقالتالي
2 3