الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

هذه الآيات السبع بيان لحال كل فريق من الفريقين المدمجين في الآية التي قبلهن: الذين يكفرون بالقرآن والذين يؤمنون به، ما كانوا عليه في الدنيا وما يكونون عليه في الآخرة، وبدأ بوصف الأول فقال:

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي لا أحد أظلم لنفسه ولغيره ممن افترى على الله كذبا في وحيه وأقواله، أو أحكامه أو صفاته أو أفعاله، وقد تقدم مثل هذه الجملة في الأنعام والأعراف ويونس وسيأتي في الكهف والعنكبوت والصف، ويفسر الافتراء في كل آية بما يدل عليه السياق، وأظهره هنا اتخاذ الشركاء والأولياء والشفعاء له بدون إذنه، وزعم من زعم أنه اتخذ له ولداً من الملائكة كالعرب الذين قالوا الملائكة بنات الله، والوثنيين الذين قالوا إن كرشنا ابن الله، والنصارى الذين قالوا المسيح ابن الله، وكذا من افترى عليه بتكذيب ما جاء به رسله من دينه، لصدهم الناس عن سبيله { أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } يوم القيامة لمحاسبتهم، وتعرض عليه أعمالهم وأقوالهم { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } الذين يقومون بأمره للشهادة عليهم من الملائكة الكرام الكاتبين، والأنبياء المرسلين، وصالحي المؤمنين: " الأشهاد جمع شاهد كأصحاب، أو شهيد كأشراف " { هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } أي يشيرون إليهم بأشخاصهم فيفضحونهم بهذه الشهادة المقرونة باللعنة، الدالة على خروجهم في ذلك اليوم من محيط الرحمة، وجملة اللعنة يجوز أن تكون من كلام الأشهاد، وأن تكون مستأنفة من كلام الله تعالى. وفي معنى هذا قوله تعالى:إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [غافر: 51-52].

وفي حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه عليه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا فيقول: رب أعرف، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته " وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: { هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } وقد بينا مسألة الشهادة والشهداء يوم القيامة في مواضعها من سور البقرة والنساء والأنعام والأعراف مفصلة تفصيلا، فراجع تفسيرها في مواضعها من أجزاء التفسير مستدلا عليها بألفاظها في فهارسها.

{ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } صفة للظالمين الملعونين، أي هم الذين يمنعون الناس ويصرفونهم عن سبيل الله الموصلة إلى معرفته وعبادته وهي دينه القيم وصراطه المستقيم { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي يصفونها بالعوج والالتواء للتنفير عنها، أو يريدون أن تكون عوجاء بموافقتها لأهوائهم من الشرك وإباحة الظلم والفسق { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي والحال أنهم كافرون بالآخرة لا يؤمنون ببعث ولا جزاء، وإنما الدين عندهم رابطة دنيوية، وشعائر قومية، قد يتعصبون لها تعصبهم لقوميتهم، وتقليداً لآبائهم، وهكذا شأن الملاحدة والمبتدعة من أهل الأهواء، المدعين لدين الأنبياء، كما تراهم في هذا الزمان.

السابقالتالي
2 3 4